◄ تَشْرِيعُ الرِّقِّ فِى الإِسْلاَمِ:
لَمْ يُشَرِّع اللهُ أبَدًا لِلاسْتِرْقَاقِ، وَلاِسْتِعْبَادِ النَّاسِ بَعْضِهُم البَعْضِ، بَلْ شَرَعَ سُبْحَانَهُ لِتَحْرِيِرِ المَوْجُودِ مِنْهُ وَقْتَ تَفْعِيِلِ الإِسْلاَمِ، مَعَ تَجْفِيِفِ مَنَابِعِهِ. فَعِنْدَمَا جَآءَ الإِسْلاَمُ بِكِتَابِهِ العَظِيم “القُرْءَان” كَانَ الرِّقُّ مُسْتَشْرِيًا، وَمَوْجُودًا كَمَنَابِعٍ تَصُبُّ فِى المُجْتَمَعِ، وَتَتَحَوَّلُ إلَى تِجَارَةٍ رَائِجَةٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَإلَى تَرْسِيِخِ طَبَقَةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ سَمَّوْهَا بِطَبَقِةِ العَبِيِدِ”عَبْدًۭا مَّمْلُوكًۭا“؛ حَيْثُ كَانَ الرِّقُّ يُمَثِّلُ رَافِدًا هَامًّا مِنْ رَوَافِدِ الاقْتِصَادِ، ويُمَثّلُ جُزْءًا لاَ يُسْتَهَانُ بِهِ مِنْ رَأسِ المَالِ العَامِلِ المُسْتَثْمَرِ فِي هَذِهِ التَّجَارَةِ. وَلِذَا فَقَدْ تَعَامَلَ الشَّارِعُ سُبْحَانَهُ مَعَ هَذَا المَوْضُوعِ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ؛ فَلاَهُوَ بِالَّذِى أقَرَّ هَذَا الظُلْمَ، وَلاَ هُوَ الَّذِى حَلَّ إشْكَالَهُ بِظُلْمٍ جَدِيِدٍ، كَأن يُشَرِّعَ تَحْرِيِرَ المَوْجُودِ كُلَّهُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إفْلاَسُ الكَثِيِرِ مِمَّن وَظَّفُوا أمْوَالَهُم فِى هَذِهِ التِّجَارَةِ (غَيْرُ المُحَرَّمَةِ سَلَفًا)، وَتَعَطُّلُ حَرَكَةِ الحَيَاةِ فِى الكَثِيرِ مِنَ المَنَاحِى المُرَتَّب فِيِهَا عَمَلُ العَبِيِدِ وَالإِمَآءِ، فَضْلاً عَمَّا يُمْكِنُ أنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صِدَامٍ دَمَوِىٍّ فِى المُجْتَمَعِ.
وَلِكُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ اعْتَمَدَ الشَّارعُ سُبِحَانَهُ عِدَّةَ مَحَاوِرٍ لِلقَضَآءِ عَلَى هَذِهِ الظَّاهِرَةِ، وَرَفْعِ الظُلْمِ عَنِ النَّاسِ، وَدُونَ إِلْحَاقِ أَيّ أَذًى بِأَحَدٍ، بِحَيْث تُؤَدِّي هَذِهِ المَحَاورُ مُجْتَمِعَةً إِلَى إِذَابَةِ هَذِهِ الطَبَقَةِ وَتَلاَشِيهَا مَعَ الوَقْتِ، وَلنُطَالِعَ هَذِهِ المَحَاوِرِ:
● المِحْوَرُ الأَوَّلُ: تَجْفِيفُ المَنَابِعِ:
أَلغَىَ الإِسْلاَمُ اسْتِرْقَاقَ الأَسِيرِ الَّذِي كَانَ سَائِدًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَجَعَلَ التَعَامُلَ مَعَ الأَسْرَىَ ــ الَّذِينَ بَدَءُوا أَصْلاً بِالعُدْوَانِ وَالقَتْلِ ــ كَالتَالِى:
أوْلاً: الإِحْسَانُ إِلَي الأَسِيرِ فِي النَّوَاحِي الإِنْسَانِيَّةِ:
أدْرَجَ اللهُ الأَسِيرَ مَعَ المِسْكِينِ وَاليَتِيمِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الثَلاَثَةَ يَشْتَرِكُونَ فِي قِلَّةِ الحِيلَةِ، وَاحْتِيَاجِهِم لِمَن يَعُولَهُم حَتَّى تَزُولَ عَنْهُم صِفَتَهُم، فَيَبْلُغَ اليَتِيمُ أَشُدَّهُ، وَيَخْرُجُ المِسْكِينُ مِن عَوْزِهِ، وَيُحَرَّرُ الأَسِيرُ مِنْ مَحْبَسِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى:
“وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿٨﴾” الإنسان.
ثَانِيًا: الإِحْسَانُ إِلَي الأَسِيرِ فِي النَّوَاحِي المَعْنَوِيَّةِ:
وَذَلِكَ بِوَعْظِهِم فِي أَنْفُسِهِم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن، وَبِالحِكْمَةِ، وَمُوَاسَاتِهِم فِيمَا أُخِذَ مِنْهُم، وَتَبْشِيرِهِم بِتَعْويِضِ اللهِ لَهُم إِنْ أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِم، إِضَافَةً لِمَغْفِرَةِ اللهِ لَهُم؛ فَقَالَ تَعَالَى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّمَن فِىٓ أَيْدِيكُم مِّنَ ٱلْأَسْرَىٰٓ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٧٠﴾” الأَنْفَال.
ثَالِثًا: كَيْفِيَّةُ التَّصَرُّفِ فِى الأَسِيِرِ:
جَعَلَ اللهُ التَّصَرُّفَ فِي الأَسِيرِ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا، وَهُمَا: المَنّ، أَوْ الفِدَاء؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
“..حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا..﴿٤﴾” مُحَمَّد.
إذًا فَقَدْ قَامَ الشَّارِعُ سُبْحَانَهُ بِتَجْفِيفِ مَنَابِعِ الرِّقِّ فِي المُجْتَمَعَاتِ حَدِيثَةِ الإِسْلاَمِ (1). وَبِتَجْفِيفِ هَذِهِ المَنَابِعِ يَتَبَقَّى أَنَّ هُنَاكَ رَصِيدًا مَوْجُودًا. وَهَذَا الرَّصِيدُ شَرَّعَ اللهُ تَعَالَى التَعَامُلَ مَعَهُ كَالتَّالِي:
● المِحْوَرُ الثَّانِي: تَحْرِيرُ الرِّقَابِ كَكَفَّارَةٍ:
لاَ يَخْلُو مُجْتَمَعٌ مِنْ أخْطَآءٍ، وَمِنْ ثَمَّ فَقَدْ شَرَعَ اللهُ تَعَالَى الكَفَّارَاتَ لِلتَكْفِيِرِ عَنِ الخَطَأِ، ثُمَّ جَعَلَ تَحْرِيِرَ الرِّقَابِ مِنْ أوَّلِ هَذِهِ الكَفَّارَاتِ، فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ:
كَفَّارَةُ القَتْلِ الخَطَأِ:
“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَـًٔا ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَـًٔا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّۢ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَـٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰٓ أَهْلِهِۦ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مُّؤْمِنَةٍۢ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴿٩٢﴾” النِّسَآء.
كَفَّارَةُ الحَلِفِ:
“لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَـٰنَ ۖ فَكَفَّـٰرَتُهُۥٓ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَـٰثَةِ أَيَّامٍۢ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَٱحْفَظُوٓا أَيْمَـٰنَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٨٩﴾” المَائِدَة.
كَفَّارَةُ الظِهَارِ:
“وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍۢ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِۦ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴿٣﴾ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ ۗ وَلِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٤﴾” المُجَادِلَةُ.
وَهَكَذَا يَتَنَاقَصُ رَصِيدُ مُلَّاكِ الرَّقِيقِ فِي المُجْتَمَعِ الإِسْلاَمِيِّ، وَكُلَّمَا وَقَعَت حَادِثَةُ ظِهَار، أَوْ حَادِثَةُ قَتْلٍ خَطَأٍ، أَوْ حَنْثٍ فِي يَمِينٍ كُلَّمَا تَمَّ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ بِحَسَبِ الكَفَّارَةِ وَالظُرُوفِ. وَلَكِنَّ الأَمْرَ لَمْ يَقَف عِنْدَ ذَلِكَ، بَلْ تَجَاوَزَهُ، وَذَلِكَ عَنْ طَريِقِ المُنَاكَحَةِ.
● المِحْوَرُ الثَّالِثُ: المُنَاكَحَةُ:
شَرَعَ اللهُ تَعَالَى نِكَاحَ مَالِكِ اليَمِيِن، مِن فَتَيَاتِهِ المُؤْمِنَاتِ، مِمَّن مَلَكَت يَمِيِنُهُ (عَلَى تَفْصِيِلٍ قَادِمٍ)، وَفِيِهِ يَقُولُ تَعَالَى:
“وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا ﴿٣﴾” النِّسَآء.
“وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ۚ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٍۢ ۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ مُحْصَنَـٰتٍ غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍۢ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍۢ ۚ…﴿٢٥﴾” النِّسَآء.
وَسَيَتَبَيَّنُ مِنَ مُنَاقَشَةِ الأَيَاتِ، أنَّ العِلاَقَةَ بِمِلْكِ اليَمِينِ ـ كَمَا جَآءَ نَصًّا ـ، هِيَ عِلاَقَةُ نِكَاحٍ: “فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ”، شَأنْهُ شَأنَ أىَّ نِكَاحٍ، وَلَيْسَت عِلاَقَةُ تَسَرِّيِ كَمَا زَعَمَ القُدَامَىَ، بَلْ وَاشْتَرَطَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهَا مَا اشْتَرَطَ فِي زَوَاجِ المُحْصَنَاتِ، بِأَنْ تَكُونَ مِنْ مُؤْمِنَةٍ “مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ۚ“، وَبِإذْنِ أهْلِهَا (فِى العَلَنِ) “فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ” ، وَبِأجْرٍ “وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ” ، وَعَلَى سَبِيلِ الاسْتِقْرَارِ، وَالدَيْمُومَةِ “مُحْصَنَـٰتٍ“، وَتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، لاَ أَنْ تَكُونَ سِفَاحًا مُؤَقَّتًا “غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍۢ” ، وَلاَ خِدْنًا تَطُولُ عِشْرَتُهُ “وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخْدَانٍۢ“.
وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ .
هَامِش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ هَذَا وَقَدْ زَعَمَ البَعْضُ أنَّ السَبْىَ قَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِىٓ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ..“.
قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:”وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ“، يَعْنِي مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمِنَ السَبْيِ مِنَ نِسَآءِ العَدُوِّ. وَهُوَ كَلاَمٌ عَارٍ مِنَ الصِحَّةِ، وَتَقْوِيِلٌ للهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ؛ وَلنُرَاجِعَ الفَيْءَ إِذًا:
الفَيْءُ: جَاءَ ذِكْرُ الفَيْءِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، مِنْهَا المَرَّةُ سَالِفَةِ الذِّكْرِ، وَالمَرَّتَانِ الأُخْرَيَانِ فِي سُورَةِ الحَشْرِ كَالتَالِي:
“هُوَ ٱلَّذِىٓ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مِن دِيَـٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوٓا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُوا يَـٰٓأُولِى ٱلْأَبْصَـٰرِ ﴿٢﴾ وَلَوْلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ﴿٣﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴿٤﴾ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِىَ ٱلْفَـٰسِقِينَ ﴿٥﴾ وَمَآ أَفَآءَٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍۢ وَلَا رِكَابٍۢ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ ﴿٦﴾ مَّآ أَفَآءَٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ..﴿٧﴾“.
فَاللهُ تَعَالَى يُحَدِّثُنَا عَنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَكَيْفَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُم مِنْ دِيَارِهِم، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِم الرُّعْبَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِم الجَلاَءَ، وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَدَثَ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلُهُم المُسْلِمُونَ، أوْ يُغِيرُونَ عَلَيْهِم بِخُيُولِهِم أوْ رِكَابِهِم؛ فَكُلَّ مَا أَفَاءَ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ غَنَائِمٍ، كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِهَؤُلاَءِ المُجْلَونَ، فَهِيَ لَيْسَت لِلمُقَاتِلِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ للهِ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي القُرْبَى، وَاليَتَامَى، وَالمَسَاكِين، وَابْن السَبِيِلِ، كَيْ لاَ يَزْدَادُ الأَغْنِيَآءُ غِنَىً، وَيَزْدَادُ الفُقَرَآءُ فَقْرًَا .. فَأَيْنَ هُنَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِسَبْي نِسَآءِ العَدُوِّ وَبَنَاتِهِ وَأَطْفَالِهِ؟!
وَإِنَّمَا يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ هَذَا الَّذِي أَفَاءَهُ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ تَمَكَّنَ النَّبِي مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَخْدِمُهُ فَصَارَ مِلْكَ يَمِينِهِ. وَمِلْكُ يَمِينِهِ هَذَا الَّذِي أَفَآءَهُ اللهُ عَلَيْهِ أَحَلَّ لَهُ الزَّوَاجَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
“۞ وَٱعْلَمُوٓا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ“.
فَهَذَا الَّذِي غَنِمَهُ المُؤْمِنُونَ يُنْفِقُونَ مِنْهُ وَيَأكُلُونَ:
“فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلًا طَيِّبًا ۚ“.
وَلَمْ تَرِدْ كَلِمَةُ “سَبْيّ” بِكُلِّ مُشْتَقَّاتِهَا فِي القُرْءَانِ وَلاَ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.