جَهْلُ شَحْرُور بِعِلْمِ اللهِ

قَالَ شَحْرُورُ ــ الجَريءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ــ بأَنَّ اللهَ يَجْهَلُ مَا سَيَعْمَلُهُ النَّاسُ مُسْتَقْبَلاً، وَإِنَّهُ فَقَط؛ يَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ سَيَكُونُ عَلَى سَبِيِلِ الاحْتِمَالِ، بلاَ تَحْدِيدٍ، أىّ عَلَى سَبِيلِ الإحَاطَةِ بالاحْتِمَالاَتِ، وَنَحْنُ هُنَا نُبَيِّنُ لَهُ جَهْلَهُ وَعَدَمِ مَعْرِفَتَهُ بِاللهِ وَلاَ بِكِتَابِهِ القُرْءَان، عَلَّهُ يَرْتَدِع وَيَنْتَهِى، وَيَتُوبَ إِلَى اللهِ.

وَلَوْ أَخَذْنَا ـ كَمِثَالٍ ـ هَذِهِ الأَيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللهُ فِيهَا:

“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُۥٓ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿٩٤﴾” المائدة.

فَهَلْ تَعْنِي هَذِهِ الأَيَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَي يَجْهَلُ مَا إِذَا كَانَ شَخْصٌ مَا يَخَافَهُ بِالغَيْبِ أَمْ لاَ؛ إلي أنْ يَبْتَلِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ الصَيْدِ، فيَعْلَمُ؟!

وَعِنْدَمَا يَقُولُ تَعَالَي: “ٱلْـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًۭا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌۭ صَابِرَةٌۭ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌۭ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ ﴿٦٦﴾” الأنفال.

فُهَلْ يَعْنِي ذَلِكَ أنَّ اللهَ تَعَالَي لَمْ يَكُنْ يَعْلَم أنَّ المُؤْمِنِينَ فِيهِم ضَعْفًا حَتَّى حَدَثَت المُوَاجَهَاتُ فَعَلِم؟!

إذًا فَالسُؤالُ الأَنَ لَيْسَ هُوَ: هَلْ اللهُ يَعْلَمُ؟

وَإنَّمَا السُؤَالُ هُوَ: هَلْ يُمْكِنُ أنْ يَجْهَلَ اللهُ أيَّ شَيْءٍ وَلَوْ كَانَ بَسِيطًا، وَحَتَّىَ لَوْ كَانَ هَذَا الجَهْلُ بإِرَادَتِهِ؟!

وَلَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَي يَعْلَمُ أَعْمَالَ العِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا فَهَلْ يُذْهِبُ ذَلِكَ بحُرِيَّةِ الاخْتِيَار عِنْدَ العِبادِ؟! . .

أَوْ: هَلْ يَلْزَمُ لِكَيّ يَكُونَ العِبَادُ أَحْرَارً فِي اخْتِيَارَاتِهِم أَنْ يَجْهَلَ اللهُ تَعَالَي هَذِهِ الاخْتِيَارَاتِ عَلَي وَجْهِ التَحْدِيدِ؟!

الحَقِيقَةُ أنَّ بَعْضَ المُعَاصِرين ذَهَبُوا (تَقْلِيدًا لِليَهُودِ وَ بَعْضِ القُدَامَى) إلى القَولِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَعْلَمُ بِأعْمَالِ العِبَادِ إلاَّ بَعْدَ أن تَقَعَ مِنْهُم، وَقَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ (وَحَاشَاهُ) مِثْلَهُ مِثْلَنَا؛ لاَ يَعْلَمُ بِمَا سَيَقَعُ مِنَ النَّاس فِيْمَا هُوَ ءَاتٍ، زَاعِمِينَ أنَّ ذَلِكَ هُوَ تَمَامُ العَدْلِ، وَضَاربِيِنَ بِعَشَرَاتِ الأَيَاتِ الدَالَّةِ، والنَّاصَّةِ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِكُلِّ شَيْءٍ (بِمَا فِى ذَلِكَ أعْمَالُ العِبَادِ قَبْل وُقُوعِهَا) عُرْضَ الحَائِطِ.

ثُمَّ إنَّ هَؤُلاَءِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَمِنْهُم مَن قَالَ بِأَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلى العِلْمِ، وَلَكِنَّهُ لَم يُرِدْ ذَلِكَ، كَالأستاذ الرُبَّان عَبْد العَزيز الشِرْبِينِى (1). وَإذَا مَا سَألْتَهُ كَيْفَ عَرِفْتَ أنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى العِلْمِ، وَلَكِنَّهُ لَم يُرِدْ ذَلِكَ، سَكَتَ. وَمِنْهُم مَن قَالَ بأَنَّ اللهَ يَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ سَيَكُونُ، وَلَكِن بلاَ تَحْدِيدٍ، أىّ عَلَى سَبِيلِ الإحَاطَةِ بالاحْتِمَالاَتِ، كَمُحَمَّد شَحْرُور. وَإذَا مَا سَألْتَهُ كَيْفَ عَرِفْتَ أنَّ اللهَ يَعْلَمُ بلاَ تَحْدِيدٍ، وَعَلَى سَبِيلِ الإحَاطَةِ بالاحْتِمَالاَتِ، سَاقَ لَكَ كِمِّيَةً مِنَ الشُبُهَاتِ لاً تُسْمِنُ وَلاَ تُغْنِى مِن جُوُعٍ، وَيَالَيْتَهُ هُوَ الأَخر سَكَتَ.

بَل إنَّ شَحْرُورَ قَدْ زَادَ عَن غَيْرِهِ فِى الجَرَاءِةِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَتَمَادَى فِى الشَطَطِ، والتَقَوُّل عَلَىَ اللهِ بِغَيْر أدنى عِلْم، وَلَوْ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ مِنْهُ، فَنَرَاهُ يَقُولُ (كَمِثَالٍ):

“وإذا أردنا أن نعرف علم الله في الأشياء فهو علم رياضي بحت، أي في علم الله لا يوجد أصفر فاتح وأصفر غامق، وتفاحة كبيرة وتفاحة صغيرة، ولكنها في علمه كلها علاقات رياضية عددية بحتة”.

لَم يَقُل شَحْرُوُر هَذَا الكَلاَم بِعِلْمٍ، وَلَمْ يُنَبَّؤُاْ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ لَدَيْهِ كِتَابٌ مَنَزَّلٌ خَاصٌّ لَم يَصِلْنَا، بَل أبْسَطُ مَا يُمْكِنُ أنْ يُوصَفُ بِهِ هَذَا الكَلاَمُ هُوَ أنَّهُ كَلاَمٌ فَاسِدٌ، لَيْسَ لَهُ أىّ وَجَاهَةٍ. انْظُر إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ يَدْفَعُ بَمجْمُوعَةٍ مِن الشُبُهَاتِ، كُلّ وَاحِدَةٍ مِنهَا تُظْهِرُ أكْثَرُ مِن أُخْتِهَا كَمَّ السَطْحِيَّةِ الَّتِى تَتَمَيَّزُ بِهَا دُفُوعَاتِهِ، فَضْلاً عَن طَريِقَةِ بَحْثِهِ:

“وعلم الله هو أعلى أنواع علوم التجريد، وأعلى أنواع علوم التجريد هو الرياضيات لذا قال (وأحصى كل شيء عدداً) (الجن 28) أي أن علم الله بالموجودات هو علم كمي بحت. فالإحصاء هو التعقل، والعدد هو حال الإحصاء”.

“وإذا قلنا الآن إن الله منذ الأزل علم أن أبا بكر سيؤمن وأن أبا جهل سيكفر فهذا عين نقصان المعرفة وليس كمالها. أي أن علم الله يحمل صفة الاحتمال الواحد. ولو كفر أبو بكر وآمن أبو جهل لكانت هذه مفاجأة كبيرة لله تعالى، علما بأن باب الكفر والإيمان كان مفتوحا أمام الاثنين على حد سواء”.

وَيَقُولُ شَحْرُور:

“لو كان يدخل في علم الله منذ الأزل ماذا سيفعل زيد في حياته الواعية وما هي الخيارات التي سيختارها زيد منذ أن يصبح قادرا على الاختيار إلى أن يموت. فالسؤال لماذا تركه إذا كان يعلم ذلك؟”.

“أن من يستقم فإنه لا يفاجئ الله باستقامته، ومن ينحرف لا يفاجئ الله بانحرافه. وفي هذا يصبح الخيار الإنساني الواعي خيارا حرا يستلزم الثواب والعقاب، وتصبح خيارات الإنسان غير مكتوبة عليه سلفا”.

وَيَقُولُ شَحْرُور:

“هنا من أجل تبرير هذا الأمر ندخل في اللف والدوران فنقول إن الله علم منذ الأزل أن أبا لهب سيكون كافرا، وأن أبا بكر الصديق سيكون مؤمنا. ثم نقول إن أبا لهب اختار لنفسه الكفر وأبو بكر اختار لنفسه الإيمان. إن هذا الطرح لا يترك للخيار الإنساني الواعي معنى، وإنما يجعله ضربا من الكوميديا الإلهية مهما حاولنا تبرير ذلك”.

حَسَنًا فَأرنَا كَيفَ سَتَفْعَل مَع الأيَاتِ الكَثيرَةِ الَّتِى غَفَلْتَ عَن مبْنَاهَا، وَجَهَلْتَ مَعْنَاهَا، والَّتِى تُبَيِّنُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ كُلَّ مَا سَيَكُون قَبْلَ أن يَقَعَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمَا.

لَقَدْ سَوَّدَ شَحْرُورُ عَشَرَةَ صَفْحَاتٍ حَاولَ فِيهِنَّ بِكُلِّ مَا يَملُكَ أنْ يُصَوِّرَ اللهَ تَعَالىَ بِأنَّهُ لاَ يَعْلَمُ أعْمَالَ العِبَادِ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، وَأَنَّ عِلْمَهُ ريَاضِىٌّ يَقَفُ عِنْدَ العِلم بِالاِحْتِمَالاَتِ كُلِّهَا، دُونَ تَحْدِيدٍ لاحْتِمَالٍ مِنْهَا. وَأنَّهُ لاَ يَعْلَمُ بِمَا سَيَحْدُثُ مِنَ النَّاسِ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ إلاَّ إذَا أضْمَرُوهُ فِى أنْفُسِهِم؛ إذ يَقُولُ:

“علم الله الكامل بأحداث مسبقة بكلياتها وجزئياتها أو بأحداث جارية بكلياتها وجزئياتها: وذلك أنه في لحظة أن نوى أبو بكر الإيمان قبل أن يفضي بهذه النية لأحد وهي مازالت سرا في نفسه علمها الله أولا وفي نفس اللحظة التي نوى فيها أبو بكر الإيمان”.

وَلَوْ صِغْنَا هَذِهِ الجُمْلَةَ بَعِيدًا عَن ثَنْي العِطْفِ، فَسَنَجِدُ أنَّ الشَحْرُورَ يَقُولُ إنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ جَاهِلاً (وَحَاشَاهُ) بِمَا سَيَصْدُرُ مِن أبِى بَكْرٍ حَتَّى عَزَم أبُو بَكْرٍ وَنَوى، فَعَلِمَ اللهُ نِيَّتَهُ وَقْتَهَا فَقَط.

وَأَخِيرًا يَقُول شَحْرُور مُتَجَاوِزًا فِى حَقِّ اللهِ تَعَالَى:

“الإنسان خليفة الله في الأرض وأنه يوجد في الإنسان وليس في الكائنات الحية الأخرى شيء من ذات الله وهو الروح وبها أصبح خليفة الله في الأرض واكتسب المعارف وأصبح قادرا على المعرفة والتشريع. هذه النقطة إذا نسيناها فإن السلوك الإنساني سيتحول إلى مجموعة من الصور المتحركة يديرها الذي صممها “أفلام كرتون”. ولكن إذ قلنا إن هناك أمرا مشتركا بين الله والإنسان وهو الروح، أي إذا قلنا إن الصور المتحركة فيها شيء من ذات المصمم لتغير الأمر” (2).

فَخَتَمَ بِهَذَا الهُرَاء الَّذِى يَقُولُ فِيهِ إنَّ الإنْسَانَ يُوجَدُ فِيهِ شَيىٌ مِن ذَاتِ اللهِ، وَأنَّ الإنْسَانَ فِيهِ روحٌ، وَهَذِهِ الرُوحُ المَوجُودَةُ فِى الإنْسَانِ هِىَ جُزءٌ مِن ذَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا أمْرًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ الإنْسَان. فَجَعَلَ شَيئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ فِرعَون (مَثَلاً) وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى (وَحَاشَاه). وَهُوَ كَلاَمٌ يَخْرُجُ كَسَابِقِه، وبِنَفْسِ جِينَاتِهِ وَمَلاَمِحِهِ:

فَهُوَ كَلاَمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلاَ هُدَىً، وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ، بَل وَلاَ أتَجَاوزُ إذَا مَا قُلْتُ إنَّهُ كَلاَمٌ بِجَهْلٍ، وَافْتِرَاءٍ، وَلا يَقَفُ أمَامَ النَقْدِ العِلْمِىّ وَلاَ لِلَحظَةٍ وَاحِدَةٍ، إذ يَقْبَعُ تَحتَ مَظَلَّةِ البَاطِل، والبَاطِلُ كَمَا نَعْرِفُ زَهُوقٌ لاَ نَفَسَ لَهُ.

وَأعُودُ إلى مَسْألةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى فَأقُولُ إنَّ الفَرقَ بَينَ كَلاَم الأُسْتَاذ شَحْرُور، وَبَينَ كَلاَم اليَهُودِ، وَأولِيَائِهِم مِن الرَافِضَةِ هَوَ أنّ شَحْرُور زَعَمَ أن طَرْحَهُ يَنْسِبُ كَمَالَ العِلْمِ لِلّهِ (ثَنى عِطْف)، بَينَمَا هُوَ فِى الحَقِيقَةِ يَقُولُ فِى النِهَايَةِ بِأنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ أفْعَال كُلِّ وَاحِدٍ مِن خَلْقِهِ إلاَّ عَلىَ وَجْهِ الاحْتِمَال، وَيَجْهَل عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، بَينَمَا كَانَ اليَهُودُ والرَافِضَةُ أكْثَرَ وُضُوحًا وَصَرَاحَةً؛ فَقَالُوا مَا قَالُوه مِن الجَهْل، والبدَاء.

وَلْنُنَاقِشَ أولاً مَا قَالَهُ هَذَا الشَّحْرُور مِن أنَّ عِلْمَ اللهِ مَحْدُودٌ، سَوَاءٌ لإعَاقَةِ الزَّمَنِ لَهُ، أوْ لِكَوْنِهِ إِحْتِمَالِيًّا، وَذَلِكَ مِن خِلاَلِ خَمْسَةِ مَحَاوِرٍ:

حَيثُ سَأتَنَاوَلُ فِى المِحْوَرِ الأَوَّلِ بَيَان مَا يَتَعَلَّقُ بِخَلْقِ اللهِ لِلزَّمَنِ.

وَفِى المِحْوَرِ الثَانِى سَأتَنَاوَلُ بَيَان عِلْمِ اللهِ بِتَفَاصِيلِ أعْمَالِ العِبَادِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

وَفِى المِحْوَرِ الثَالِثِ سَأتَنَاوَلُ العَدِيدِ مِن الأَيَاتِ النَاصَّةِ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِأعْمَالِ العِبَادِ عُمُومًا.

وَفِى المِحْوَرِ الرَابِعِ سَأتَنَاوَلُ عِلْمَ اللهِ بِمَا لَنْ يَكُونَ.

وَفِى المِحْوَرِ الخَامِسِ سَأتَنَاوَلُ عِلْمُ بَعْضِ البَشَرِ بِأعْمَالِ غَيْرِهِم أوْ أنْفُسِهِم المُسْتَقْبَلِيَّةِ.

ثُمَّ لِنُنَاقِشَ بَعْدَ ذَلِكَ شُبُهَاتِ شُحْرُوُرُ، حَيْثُ سَتَكُونُ قَدْ هُدِمَتَ قَبْلَ الوصُولِ إلَيْهَا، ءَاخِذِينَ فِى اعْتِبَارِنَا أنَّ مَقُولَةَ أنَّ اللهَ تَعَالَي لاَ يَعْلَمُ أَعْمَالَ العِبادِ إلاَّ بَعْدَ حُدُوثِها نَشَأتْ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا مِمَّا خَطَّهُ اليَهُوُدُ بأَيْدِيهِم، وَفِيهِ أنَّ اللهَ تَعَالَي لاَ يَعْلَمُ شَيئًا مِمَّا سَيَعْمَلَهُ الإِنْسَانُ بَعْدَ خَلْقِهِ، وَبالتَالِي فَقَدْ تَأسَّفَ اللهُ ونَدِمَ بَعْدَ أنْ عَايَنَ أعْمَالَ الإِنْسَان، وَرَأىَ إفْسَادَهُ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ خَلْقَهُ لَهُ كَانَ أمْرًا غَيرُ مَحْسُوبٍ، فَتَرَتَّبَ عَلَيِّهِ مَا تَرَتَبَ مِن إفْسَادٍ (3). وَقَدْ سُمِّيَ جَهْلُ اللهِ ـ وَحَاشَاهُ ـ عِنْدَ هَؤُلاَءِ بـ: “البدَاء”، وَهُوَ نَشْأةُ رَأىٍ جَدِيدٍ لاِعْتِبَارَاتٍ مُحَدَّدَةٍ طَرَأتَ، أوّ بَدَتَ، وَهُوَ مَا يُقَالُ عِنْدَهُم بالنَصِّ: “الظُهُور بَعْدَ الخَفَاءِ”. وَهُوَ نَفْسُ مَا قَالَهُ أَهْلُ مَذْهَبِ الشِيعَةِ، حَتَّى أنَّهُم جَعَلُوهُ أحَد مَبَادِيءٍ خَمْسَةٍ اخْتَرَعُوهَا. وَعَقَدَ لَهُ إِمَامَهُم الكِلِينِى فِى كِتابهِ “الكَافِى” بَابَاً سَمَّاهُ: “بابُ البدَاء”، وَهُوَ مِمَّا لاَ يَليقُ باللهِ تَعَالي، عَلاّمُ الغُيوبِ، وَإنَّمَا يَليقُ بِهِم هُم وَبأئِمَتِهِم (4).

هَذَا بَعْضُ مَا قَالَهُ ـ قَدِيمًا ـ اليَهُودُ، فَسَنُّوا لِمَن يَأتِ بَعْدَهُم أنْ يَتَطَاولَ عَلَى اللهِ بمَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَأن يَسِمُوهُ (وَحَاشَاهُ) بِالجَهْلِ، وَتَبِعَهُم عَلَي ذَلِكَ الرَوَافِضُ، حَتَّى انتَهَى الأَمرُ إلى أيَامِنَا، وَشَاعَ فِيهَا مَا شَاع.

إنَّ الفَرقَ بَينَ كَلاَم شَحْرُور، وَبَينَ كَلاَم اليَهُودِ، وَأولِيَائِهِم مِن الرَافِضَةِ هَوَ أنّ شَحْرُور زَعَمَ أن طَرْحَهُ يَنْسِبُ كَمَالَ العِلْمِ لِلّهِ (ثَنى عِطْف)، بَينَمَا هُوَ فِى الحَقِيقَةِ يَقُولُ فِى النِهَايَةِ بِأنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ أفْعَال كُلِّ وَاحِدٍ مِن خَلْقِهِ إلاَّ عَلىَ وَجْهِ الاحْتِمَال، وَيَجْهَلُ أفْعَال كُلِّ وَاحِدٍ مِن خَلْقِهِ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، بَينَمَا كَانَ اليَهُودُ والرَافِضَةُ أكْثَرَ وُضُوحًا وَصَرَاحَةً؛ فَقَالُوا مَا قَالُوه مِن الجَهْل، والبدَاء كَمَا بَيَّنْتُ.

حَسَنًا فَأرنَا كَيفَ سَتَفْعَل مَع الأيَاتِ الكَثيرَةِ الَّتِى غَفَلْتَ عَن مبْنَاهَا، وَجَهَلْتَ مَعْنَاهَا، والَّتِى تُبَيِّنُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ كُلَّ مَا سَيَكُون قَبْلَ أن يَقَعَ، وَأَنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمَا.

أولاً: عِلمُ اللهِ وَتَخَطّى حَاجِزَ الزَّمَانِ وَالمَكَان:

إِذَا مَا تَأمَّلْنَا لِقَولِ اليَهُودِ، وَقَوْلِ الأسْتَاذ شَحْرُور، فَسَنَجِدُ أنَّ الجَامِعَ بَينَ مَذْهَبَيْهِمَا، وَالأَسَاسَ الَّذِى بَنَيَا عَلَيْهِ قَوْلَيْهِمَا هُوَ: أنَّهُ وَهُم، اعْتَبَرُوا أنَّ الزَّمَنَ قَيدٌ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَحْدُثُ، حَتَّى يَحْدُثَ فِعْلاً؛ فَقَاسُوا حَالَ اللهِ عَلَى حَالِهِم، وَألْزَمُوا اللهَ بِدَينُونَتِهِم، وَمَحْدُوُدِيَّتِهِم، وَلَم يَجْعَلُوُهُ سُبْحَانَهُ مَرْجِعًا لَهُم فِى أمْرٍ خَطِيِرٍ مِثْلَ هَذَا الأَمْرُ.

وَالحَقِيقَةُ أنَّ شَحْرُوُرَ، واليَهُودَ، مُخْطِئُونَ فِى ذَلِكَ أيُّمَا خَطَأٍ، حَيثُ جَهِلَ، وَجَهِلُوا (هُم وَأشْيَاعُهُم مِن الرَوَافِضِ)، الكَثيرَ مِّمَّا يَتَعَلَّقُ بالفُرُوقِ، بَيْنَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ، كَمَا تَجَاهَلَ، وَتَجَاهَلُوا، أنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الزَّمَن، وَأنَّهُ لاَ يَصِحُّ أنْ يُرَوِّجُوا، أنَّ مَخْلُوقًا مَا، أصْبَحَ قَيْدًا عَلَى الخَالِقِ، وَحَاشَاهُ، فَضْلاً عَمَّا جَهِلَهُ، وَجَهِلُوُهُ، مِّمَّا يَتَعَلَّقُ بالزَّمَنِ، مِن حَيثُ تَغَيّرهِ، مِن مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ، وَمِن مَخْلُوقٍ، إلَى مَخْلُوقٍ ءَاخَرَ، فَمَا بَالُنَا وَهُوَ، وَهُم، يُسَوُّونَ بَينَ الزَّمَنِ، وَيُرَوِّجُونَ لِلزَّمَنِ المُطْلَقِ؟

أيضًا فَقَدْ جَهِلَ شَحْرُورُ وَاليَهُودُ، أنَّ لُزُومَ الزَّمَنِ، هُوَ خَاصٌّ بِفِيزْيَاءِ الكَونِ المَخْلُوقِ، بِمَن فِيهِ مِن مَخْلُوقَاتٍ، لاَ بِالخَالِقِ، الَّذِى جَعَلَ هَذَا الزَّمَنَ لاَزِمًا لِمَخْلُوقَاتِهِ، ولَيْسَ لَهُ هُوَ سُبْحَانَهُ، حَيثُ جَاءَت النُصُوصُ عَلَى أنَّ اللهَ خَارجَ هَذِهِ المُعَادَلَةِ. كَمَا جَهِلَ شَحْرُورُ وَاليَهُودُ مَسْأَلَةَ تَفَاعُلَ اللهِ تَعَالَى مَعَ خَلْقِهِ فِى اللاَزَمَنِ، وَمَسْألَةَ إِمْسَاكِ اللهِ بِكَوْنِهِ، وَأنَّ المُمْسِكَ بالكَوْنِ لاَبُدَّ وَأنْ يَكُونَ خَارِجَهُ، وَبِالتَالِى خَارِجَ قَوَانِينَهُ.

كَمَا فَرَّقَ شَحْرُورُ، وأوْلِيَاءُ اليَهُوُدِ مِنَ الرَوَافِضِ، بَيْنَ الزَّمَان، وَالمَكَانِ، بِغَيْرِ أىّ حُجَّةٍ، وَلَوْ ضَاحِدَةٍ، فَجَعَلُوا الأَوَّلَ عَائِقًا، بَيْنَمَا حَرَّرُوا الثَانِى (مُرْغَمِينَ لِكَثرَةِ وَصَرَاحَةِ النُصُوُصِ عَلَى ذَلِكَ فِى القُرْءَانِ). وَأخِيرًا فَقَدْ تَجَاهَلَ شَحْرُورُ مَسْألَةَ كَلاَمِ اللهِ بِصِيَغِ المَاضِى، لِمَا لَمْ يَأتِ بَعْدُ؛ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ الأَزْمِنَةِ بِالنِسْبَةِ لِلخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَلْنُطَالِعُ بَعْضَ مَا قَدَّمْنَا بِهِ لِنَعْلَمَ حَجْمَ مُصِيبَتِهِم فِى أنْفُسِهِم، وَسَيَكُونُ الرَّدُّ مِنْ خِلاَلِ النِّقَاطِ الأَتِيَةِ:

المِحْوَرُ الأَوَّل: اللهُ تَعَالَى فَوْقَ الزَّمَنِ:

1/1/1 ـ إِنَّ اللهَ هُوَ خالقُ الزَّمَن، فَكَيْفَ يَخْضَعُ لِشَيءٍ خَلَقَهُ؟

1/2/2 ـ إِنَّ اللهَ حَتْمًا خَارجَ هَذَا الكَوْنِ:

1/3/3 ـ نِسْبِيَّةُ الزَّمَن لِلمَخْلُوقَاتِ لاَ الخَالِقِ:

1/4/4 ـ لُزُومُ الزَّمَن لِلمَخْلُوقَاتِ لاَ لِلخَالِقِ:

1/5/5 ـ تَفَاعُل اللهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ:

1/6/6 ـ إِنَّ اللهَ هُوَ خالقُ المَكَان، وَلَمْ يَمْنَعُهُ عَن شَيءٍ مِن مُلْكِهِ:

1/7/7 ـ إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ عَن المُسْتَقْبَل بِصِيغَةِ المَاضِى:

والخُلاَصَةُ:

المِحْوَرُ الثَّانِى: النُصُوصُ القَطْعِيَّةُ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَفْعَلُ العِبَادُ يَوْمَ القِيَامَةِ

2/1/8 ـ حُوارُ اللهِ مَعَ عِيسَى:

2/2/9 ـ تَحَاجُجُ أَهْلِ النَّار:

2/3/10 ـ حُوارُ أصْحَابِ الأَعْرَافِ:

2/4/11 ـ حُوارُ أهْلِ الجَنَّةِ مَعَ أَهْلِ النَّارِ:

2/5/12 ـ حُوارُ الشَيْطَانِ مَعَ حِزْبِهِ:

2/6/13 ـ حُوارُ اللهِ مَعَ أهْل جَهَنَّم:

وَالخُلاَصَةُ:

المحْوَرُ الثَّالِث: النُصُوصُ القَطْعِيَّةُ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَفْعَلُ العِبَادُ (عُمُومًا).

3/1/14 ـ مَغْفِرَةُ اللهِ لِرَسُولِهِ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وَمَا تَأخّر:

3/2/15 ـ مسألةُ التقاطِ مُوسَى:

3/3/16 ـ كِتَابَةُ عُمْر المُنْتَحِر:

3/4/17 ـ النَصُّ عَلَى العِلْمِ بَمَا خَلْفَ النَّاسِ:

3/5/18 ـ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ:

3/6/19 ـ القُرَى المُهْلَكَةِ:

3/7/20 ـ دُخُولُ المَسْجِدِ الحَرَامِ:

3/8/21 ـ إفْسَادُ بَنِى إسْرَائِيل:

3/9/22 ـ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ:

3/10/23 ـ الجَزْمُ بِأَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ أحَدٌ مِنْ قَوْمِ نُوُحٍ:

وَالخُلاَصَةُ:

المِحْوَرُ الرَّابِعُ: عِلمُ اللهِ تَعَالَى بِمَا لَن يَكُون:

4/1/24 ـ عِلْمُ اللهِ بِمَا سَيَقُولُهُ المُجْرِمُونَ لَوْ فَتَحَ عَلَيْهِم بَابًا مِن السَمَاءِ:

4/2/25 ـ عِلْمُ اللهِ بِمَا سَيَقُولُهُ الكُفَّارُ لَوْ جَعَلَ القُرْءَان أعْجَمِيًّا:

المِحْوَرُ الخَامِسُ: عِلْمُ بَعْضِ العِبَادِ بِبَعْضِ مَا سَيَعْمَلَهُ غَيْرُهُم مِن العِبَادِ:

5/1/26 ـ عِلْمُ عِيسَى بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

5/2/27 ـ عِلْمُ يُوسُفَ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

5/3/28 ـ عِلْمُ عِيسَى بِبَعْضِ أعْمَالِ نَفْسِهِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

5/4/29 ـ عِلْمُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

5/5/30 ـ عِلْمُ عَبْدُ اللهِ الصَالِحُ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

الجُزْءُ الثَانِى: الرَدُّ عَلَى الشُبُهَاتِ

الشُبْهَةُ الأُولَى: العِلْمُ يَقْتَضِى الجَبْر، والجَهْلُ سَبيلُ الحُرِّيَةِ وَالعَدْلِ:

6/1/31 ـ العِلْمُ المُسْتَقْبَلِىّ بِأعْمَالِ العِبَادِ هُوَ عِلْمٌ بِالاخْتِيَاراَتِ:

6/2/32 ـ هَل يَقُومُ اللهُ تَعَالَى بِتَعْطِيلِ عِلْمِهِ لِيَرْضَى النَّاس:

6/3/33 ـ تَخَبُط القَوْمِ فِيمَا لَمْ يَحْسَبُوا لَهُ حِسَابًا:

6/4/34 ـ العِلْمُ المُسْتَقْبَلِىّ بِأعْمَالِ العِبَادِ وَالعِلْمُ الوَاقِعِىُّ:

6/5/35 ـ إذًا فَالعِلْمُ عِلْمَانٍ:

6/6/36 ـ وَالعِلْمُ يَعْنِى العِلْم لاَ الإجْبَار:

7 ـ الشُبْهَةُ الثانية: عِلْمُ اللهِ احْتِمَالِىّ:

7/1/37 ـ التَلاَعُب بِالأَلْفَاظِ لَيْسَ شِيمَةِ العُلَمَاءِ فَضْلاً عَن المُتَّقِين:

7/2/38 ـ سَخَافَةُ وَعَبَثِيِّةُ القَوْلِ بِالعِلْمِ الاحْتِمَالِىّ:

7/3/39 ـ فَسَادُ الاسْتِدْلاَلِ، وَإسَاءَةُ تَنَاولِ الأَدِلَّةِ:

8 ـ الشُبْهَةُ الثَالِثَةُ: عِلْمُ اللهِ إحْصَائِىٌّ:

8/1/40 ـ فَسَادُ فَهْمِ شَحْرُورِ لِلعِلْمِ الإحْصَائِىّ:

8/2/41 ـ الإحْصَاءُ فِى القُرْءَانِ يُحِيطُ بِالمُحْصَى:

9 ـ الشُبْهَةُ الرَابِعَةُ: كِتَابَةُ الأَعْمَالِ:

9/1/42 ـ كِتَابَةُ الأعْمَالِ بِمَنْأى عَنِ العِلْمِ:

9/2/43 ـ جَحدُ الإنْسَان لأعْمَالِهِ:

9/3/44 ـ إحْبَاطُ الأعْمَالِ وَعَدَم النَظَرِ إلَيْهَا:

الخاتمة

وَلنَبْدَأ فِى بَيَانِ مَا قَدَّمْنَا لَهُ، وَأَعْتَذِرُ لِمَا سَيَجِدُهُ القَارِئُ مِنْ تَطْويِلٍ اقْتَضَتْهُ الحَاجَةُ لِدَرْءِ شُبُهُاتِ القَوْمِ؛ وَمَا أَكْثَرُهَا وَأَكْثَرُهُم

المِحْوَرُ الأَوَّل: اللهُ تَعَالَى فَوْقَ الزَّمَنِ.

1/1/1 ـ إِنَّ اللهَ هُوَ خالقُ الزَّمَن، فَكَيْفَ يَخْضَعُ لِشَيءٍ خَلَقَهُ؟

مِنَ المَسَلَّمَاتِ البَدِيهِيَّةِ، المَعْلُومَةِ لِجُلِّ النَّاسِ، أنَّ كُلَّ مَا عَدَا اللهِ تَعَالَي فَهُوَ مَخْلُوقٌ؛ وَعَلَيّهِ فَإنَّ بُعْدَ الزَّمَنِ مَخْلُوقٌ كَبُعْدِ المَكَانِ. وَلِلْتَقْرِيبِ؛ فَلَوْ دَارَت عَقَاربُ الزَّمَنِ إلَى الخَلْفِ، وَوَصَلْنَا إلي بدَايَةِ الكَوْنِ فَسَنَصِلُ إلي النُقْطَةِ “صِفر”، الَّتِى بَدَأ عِنْدَهَا خَلْقُ الكَوْنِ، وعِنْدَهَا سَيَتَلاَشَي زَمَنُ الكَوْنِ تَمَامًا مَعَ غِيَابِ الكَوْنِ نَفْسِهِ، كَمَا سَتَتَلاَشَي المَوْجُودَاتُ كُلُّهَا كَالأَرْضِ، وَالمَجَرّةِ، وَالسَمَاءِ، ..الخ، وَبَالتَالِي فَنَسْتطيعُ القَوْلَ بِأنَّ للزَّمَنِ عُمْرٌ (كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ المَكَانِ)، وَلَوْ قَدَّرْنَا أنَّ عُمْرَ الكَوْنِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ هُوَ 15 مِليَار سَنَة (مَثَلاً)، فإنَّ ذَلِكَ يَعْنِي ـ أَيْضًا ـ أَنَّهُ هُوَ عُمر الزَّمَن. وَالسُؤَالُ الَّذِى يَفْرِضُ نَفْسَهُ هُنَا فِى مُوَاجَهَةِ المَقُولَةِ الفَاسِدَةِ بإعَاقَةِ الزَّمَن لِعِلْمِ اللهِ هُوَ:

إذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الزَّمَنِ، فَكَيْفَ يَخْضَعُ لِشَيءٍ خَلَقَهُ؟ لاَ سِيَّمَا أنّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الأوَّلُ وَالسَابقُ عَلَى كُلِّ الخَلْقِ: هُوَ ٱلْأَوَّلُ..﴿٣﴾ الحديد!

ألَيْسَ مِنَ البَدِيِهِيِّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُتَقَيِّدٍ بالزَّمَنِ المَخْلُوق. وَيَكُونُ القَوْلُ بأنَّهُ سُبْحَانَهُ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ مِن أَفْعَال العِبَادِ لِعَائِقِ الزَّمَن، هُوَ بالضَبطِ كَالقَول بأنَّهُ تَعَالَى خَاضِعٌ لمَخْلُوق مِن مَخْلُوقَاتِهِ؟!!!

1/2/2 ـ إِنَّ اللهَ حَتْمًا خَارجَ هَذَا الكَوْنِ:

فَالخَالِقُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُرَاقَبَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ وَسَيْطَرَةٍ عَلَى كَوْنِهِ الَّذِى نُوجَدُ فِيهِ (فَضْلاً عَن مُلْكِهِ عُمُومًا)، وَهُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ (تَصَوُّرًا) كَوْنُهُ خَارجَ هَذا الكَوْن، وَلَوْ كَانَ المُفْتَئِتُ يَرْجِعُ إلَى كِتَابِ اللهِ، وَيُرَتِّلُ ءَايَاتِهِ لَوَجَدَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

۞ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًۭا ﴿٤١﴾ فاطر.

فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أنَّ طَبِيعَةَ خَلْقِهِ لِهَذَا الكَوْنِ (المُؤَقَّتِ) قَائِمَةٌ عَلَى التَفَلُّتِ والزَوَالِ، وَيُقَابِلُ ذَلِكَ إمْسَاكٌ مِنْهُ لِهَذَا الكَوْنِ (المُتَفَلِّتِ الزَّائِلِ) حَتَّى يَبْقَى إلَى حِينٍ وَوَقْتٍ قَدَّرَهُ لَهُ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ مَا صَدَّقَهُ العِلْمُ وَأَقَرَّ بِهِ (5).

فَإِمْسَاكُهُ سُبْحَانَهُ لِلسَمَاوَاتِ وَالأَرْض يُؤَكِّدُ تَبَايُنِهِ عَنْ خَلْقِهِ، وَأنَّهُ لاَ يَخْضَعُ لاَ لِلزَّمَانِ، وَلاَ لِلمَكَانِ. وَإمْكَانِيَّةُ زَوَالِ هَذَا الكَوْنِ، أدْعَى لِفَهْمِ أنَّ اللهَ تَعَالَى خَارجَ هَذَا الكَوْنِ، المُحْدَثِ، بَقَوَانِينِهِ الَّتِى وَضَعَهَا سُبْحَانَهُ، وَالحَاكِمَة لَهُ، لاَ لِخَالِقِهِ.

1/3/3 ـ نِسْبِيَّةُ الزَّمَن لِلمَخْلُوقَاتِ لاَ الخَالِقِ:

التَعْريفُ البَسِيطُ لِلزَّمَنِ هُوَ أنَّهُ مَسْرَحُ الأحْدَاثِ كُلِّهَا، وَفِيهِ يَسْبَحُ المَكَانُ، وَالحَرَكَةُ، وَالتَفَاعُلاَتُ، وَالوَعْىُّ، وَالإدْرَاكُ . . الخ. وَالزَّمَنُ هُو بُعْدٌ مَعْنَوىٌّ فِيزْيَائِىٌ مَخْلُوقٌ كَبُعْدِ المَكَانِ، وَلاَ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَفِيِهِ تُوجَدُ وَتَتَحَرَّكُ الأشْيَاءُ، وَبِدُونِهِ لَنْ يُوجَدَ شَيءٌ وَلاَ حَرَكَةٌ. وَلأَنَّهُ (بِعَكْسِ بُعْدِ المَكَانِ) ذُو اتِجَاهٍ وَاحِدٍ فَهُوَ المَسْؤُولُ عَن تَرْتِيبِ الأَحْدَاثِ (6).

هَذَا الزَّمَنُ لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا، بِحَيْثُ يُظَنُّ أنَّهُ مُطْلَقٌ، وَثَابِتٌ فِى أرْجَاءِ الكَوْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الزَّمَنُ بِحَسَبِ نِسْبِيَتِهِ (7)، فَمَا هُوَ حَاضِرٌ بِالنِسْبَةِ لَنَا، هُوَ مَاضٍ بِالنِسْبَةِ لِغَيْرِنَا، وَمَا هُوَ حَاضِرٌ لَنَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ لِغَيْرِنَا، وَمَاهُوَ يَومٌ عِنْدَ غَيْرِنَا هُوَ زَمَنٌ طَويلٌ بِالنِسْبَةِ لَنَا، وَمَاهُوَ يَومٌ عِنْدَنَا، هُوَ زَمَنٌ طَويلٌ بِالنِسْبَةِ لِغَيْرِنَا، وَلَوْ تَضَاعَفَت سُرْعَةُ دَوَرَان الأَرَض حَوْلَ نَفْسِهَا لَصَارَ اليَومُ 12 سَاعَةً، وَصَارَت السَنَةُ أكْثَرَ مِن 730 يَومًا، كَمَا أنَّ السَنَةَ فِى كَوْكَبِ عَطَارِد تُسَاوى اليَومَ فِيِهِ؛ حَيْثُ يَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهِ بزَمَنِ دَوَرَانِهِ حَوْلَ الشَمْسِ، وَيَبْلُغَا 88 يَوْمًا مِن أيَّامِنَا، بَيْنَمَا تَبْلُغُ السَنَةَ فِى الكَوْكَبِ بُلُوتُو 238 سَنَةً مِن سَنَوَاتِنَا، وَلَوْ سَافَرَ أحَدٌ بِسُرْعَةِ الضَوْءِ، لَتَوَقَّفَ الزَّمَنُ عِنْدَهُ، وَلَوْ زَادَ عَن ذَلِكَ، لاسْتَشْرَفَ المُسْتَقْبَلَ أو المَاضِى. كَمَا أنَّهُ هُنَاكَ مَجَرَّاتٌ تَسِيرُ أسْرَعَ مِن سُرْعَةِ مَجَرَّتِنَا، بِفَرْقٍ شَاسِعٍ، حَتَّى صَارَت الهُوَّةُ سَحِيقَةً، وَصَارَت هَذِهِ المَجَرَّاتُ فِى المُسْتَقْبَلِ، وَصِرْنَا بِالنِسْبَةِ لَهَا فِى المَاضِى، وَفِى حُكْمِ الأَمْوَاتِ . . وَهَكَذَا.

فَالزَّمَنُ إذًا هُوَ أمْرٌ نِسْبِىٌّ مُتَغَيِّرٌ بِالنِسْبَةِ لِلمَخْلُوقاتِ، بَعْضُهَا البَعْضُ، وَبِالنِسْبَةِ إلَى أرْجَاءِ الكَوْنِ؛ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى ثَبَاتِهِ الظَاهِر (وَالخَادِعِ لِلبُسَطَاءِ) فِى مُحِيطِنَا، لِيُعَمَّمَ عَلَى الكَوْنِ بِرِمَّتِهِ، فَيَصِيرُ مُطْلَقًا فِى الكَوْنِ، فَضْلاً عَن مَدِّهِ لِلخَالقِ عَزَّ وَجَلَّ، بِحَيثُ يَصِيرُ حَائِلاً جَامِدًا؟

. . سُبْحَانَك!!!

1/4/4 ـ لُزُومُ الزَّمَن لِلمَخْلُوقَاتِ لاَ لِلخَالِقِ:

أىُّ حَرَكَةٍ يَلْزَمُهَا زَمَن، وَبِالتَالِى فَنَسْتَطِيعُ القَوْلَ بِأَنَّ انْتِقَالَ أىّ شَيءٍ مَادِىٍّ أوْ مَعْنَوىٍّ يَسْتَلْزِمُ زَمَنًا لِلنَقلِ، وَلَوْ قُلْنَا (مَثَلاً) بِأَنَّ ضَوْءَ نَجْمٍ مَا سَيَنْتَقِلُ عَبرَ الفَضَاءِ، فَسَيَنْتَقِلُ أيضًا عَبْرَ الزَّمَن، وَلَوْ قُلنَا إِنَّ هَذَا الضَوءُ سَيَصِلُنَا خِلاَلَ عَشْر سَنَوَاتٍ ضَوْئِيَّةٍ، فَمِنَ المُمْكِنِ جِدًا أنْ يَكُونَ النَجْمُ قَدْ انْفَجَرَ، بَيْنَمَا ضَوءُهُ لاَ يزَالُ أمَامَهُ مَلاَيِين السَنَوَاتِ الَّتِى سَيَظَلُُ فِيهَا يَقْطَعُ الطَريقَ إلَيْنَا حَتَّى يَنْتَهِى، وَسَنَرَاهُ نَحْنُ عَلَى أنَّهُ مَوجُودٌ حَتَّىَ تَصِلُ صُورَةُ انفِجَارهِ، وَيَخْبُوَا ضَوْءُهُ. وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أنْ نَقُولَ إِنَّ الزَّمَنَ هُوَ بُعْدٌ لاَزِمٌ لِهَذَا الكَوْنِ المَخْلُوقِ، بِحَيثُ لاَ يُمْكِنُ تَصَوُّر أىَّ شَيءٍ فِى هَذَا الكَونِ بِدُوُنِهِ، وَبِدُونِهِ فَسَيَتَوَقَّفُ كُلَّ شَيءٍ.

هَذَا الَّذِى قُلْنَاهُ مِن لُزُومِ الزَّمَنِ لِلحَرَكَةِ هُوَ بِالنِسْبَةِ إلَى المَخْلُوقِ، أمَّا بِالنِسْبَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى فَنَجِدُ أنَّ بُعْدَ الزَّمَنِ مُنْعَدِمٌ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى:

“.. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ ﴿٤﴾ الحديد.

وَلَوْ سَألْنَا المُفْتَئِتَ: هَلْ يَلْزَمُ زَمَنٌ، لِنَقْلِ الأحْدَاثِ، بِالصَوْتِ وَالصُورَةِ، مِن كَوْكَبِنَا إلَى كَوْكَبٍ ءَاخَرَ فِى مَجَرَّةٍ أخْرَى، لَقَالَ عَلَى الفَوْرِ: نَعَم.

وَلَوْ أتْبَعَنَا بِسُؤَالٍ تَالىٍ وَقُلْنَا: فَهَل تَنْتَقِلُ الأحْدَاثُ إلَى اللهِ بِغَيْرِ زَمَنٍ أم بِزَمَنٍ؟

أوْ بِصِيغَةٍ أُخْرَى: هَل يَعْلَمُ اللهُ الأحْدَاثَ لَحْظَةِ حُدُوثِهَا أمْ بَعْدَ زَمَنٍ طَالَ أَوْ قَصُرَ؟

وَلاَ يَسَعُ المُفْتَئِتُ إلاَّ القَوْلُ بِأنَّ اللهَ يَعْلَمُ الأحْدَاثَ لَحْظَةِ حُدُوثِهَا، فَنَقُولُ لَهُ: فَأينَ الزَّمَنَ هُنَا؟!!!

وَكَيفَ عَلِمَ اللهُ سُبْحَانَهُ الأحْدَاثَ بِلاَ زَمَنِ انْتِقَالٍ؟ . . . عَجِيبَةٌ عُقُولُهُم!!

وَأخِيرًا: إذَا أنْتُم أقْرَرّتُم بِعَدَمِ حَاجَةِ اللهِ لِلزَّمَنِ لِلعِلْمِ بِالحَاضِرِ، وَلِسَمَاعِ النَّاس، وَرؤيَتِهِم، لإقْرَارِكُم ـ مَثَلاً ـ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

“.. إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ ﴿٤٦﴾ طه.

فَلِمَ أوْجَدتُم هَذِهِ الحَاجَةِ لِلعِلْمِ بالمُسْتَقْبَلِ، مَا دَامَت قَوَانِينُكُم قَدْ كُسِرَت؟

ألَيْسَ هَذَا التَفْريقُ وَالتَقْسِيمُ مِن بَابِ الهَوَى (8)؟

إذًا فَمَعَ اللهِ تَعَالَى لاَ قَوَانِينَ فِيزْيَائِيَّةَ تُقَيِّدُهُ (وَحَاشَاهُ)، وَلاَ نِسْبِيَّةَ، وَلاَ زَمَنَ يَلْزَم لِنَقْلِ الوَاقِع إليْهِ.

1/5/5 ـ تَفَاعُل اللهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ:

عَرِفْنَا مِنَ الفَصْلِ الأَوَّلِ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَرَكَ جُزْءًا مِنَ الأَمْرِ لِتَفَاعُلِ النَّاس مَعَ رِسَالاَتِهِ، وَتَوَجُّهِهِم إلَيْهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِى يُجِيبُ المُضْطَّرَ إذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ:

أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿٦٢﴾ النمل.

قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًۭا وَخُفْيَةًۭ لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍۢ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٦٤﴾ الأنعام (9).

وَلَوْ قُلْنَا بِلِزُومِ بُعْدِ الزَّمَنِ فِى هَذِهِ العِلاَقَةِ لَفَسَدَت يَقِينًا، فَكَم مِنَ الزَّمَن يَلْزَم لِكَىّ يَنْتَقِلُ الدُّعَاءُ مِن كَوْكَبِنَا إلّى أن يَخْرُجَ مِن المَجَرَّةِ فالكَوْنِ، حَتَّى يَصِلُ إلَى اللهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، القَائِلُ:

تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ ﴿٤﴾ المعارج.

وَحَتَّى بِفَرْضِ فَوْرِيَّةِ الإجَابَةِ، فَإِنَّ زَمَنَ صُعُودِ الدُعَاء كَافٍ وَحْدَهُ لإِفْسَادِ فَوْرِيَّةِ الإِجَابَةِ، وَبِالتَالِى فَلَن تَكَونَ هُنَاكَ إجَابَةً لِلمُضْطَّر، وَهُوَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى. وَبِالتَالِى فَإِنَّهُ يَلْزَمُ لِتَحَقُّقَ إجَابَةِ المُضْطَّر، وَإنْجَاءِ مَن بالسَفِينَةِ . . الخ، هُوَ أنْ يَتَلاَشَى بُعْدُ الزَّمَن. وَهُوَ بِعَكْسِ مَا يُرَوِّجُ لَهُ الجَهَلَةُ بِاللهِ وَبِكِتَابِهِ الكَرِيمِ كَمَا رَأينَا هُنَا، وَمَا سَنَرَاهُ بِكَثَافَةٍ فِيمَا هُوَ ءَاتٍ.

1/6/6 ـ إِنَّ اللهَ هُوَ خالقُ المَكَان، وَلَمْ يَمْنَعُهُ عَن شَيءٍ مِن مُلْكِهِ:

فَالمَكَانُ يُشَكِّلُ بُعْدًا كَبُعْدِ الزَّمَن، فَأَنْتَ إِذَا مَا ذَهَبْتَ مَثَلاً إلَى عَمَلِكَ فَأَنْتَ تَسِيرُ فِى بُعْدَينِ أسَاسِيِّيَنِ، أحَدُهُمَا هُوَ المَكَان، وَالأَخرُ هُوَ الزَّمَن، وَبِغَيْر اجْتِيَازِهِمَا فَلَن تَصِلَ إلَى عَمَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَائقٌ عَن الوُصُولِ إلاَّ بِاجْتِيَازِهِ. فَوَسِيلَةُ الانْتِقَال يَلزَمُهَا حَرَكَة، لِلتَخَلّصِ مِن عَائِق المَكَانِ الفَاصِل، وَالحَرَكَةُ يَلْزَمُهَا زَمَن. وَنَحْنُ إذَا مَا نَظَرنَا إلىَ بُعْدِ المَكَان لاَ نَجِدُهُ يُشَكِّلُ أى عَائِقٍ للهِ تَعَالَى القَائِلِ:

وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ﴿٢١٧﴾ ٱلَّذِى يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ ﴿٢١٨﴾ الشعراء.

قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَـٰدِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ ﴿١﴾ المُجَادِلَة.

وَلَوْ سَألْنَا المُفْتَئِتَ: هَلْ يُشَكِّلُ المَكَانُ وَالمَسَافَاتُ (عُمُومًا) عَائِقًا لِلسَمْعِ والرُؤْيَةِ، لَقَالَ عَلَى الفَوْرِ: نَعَم. وَلَوْ تَابَعْنَا وَقُلْنَا: فَهَل شَكَّلَ المَكَانُ وَالمَسَافَاتُ عَائِقًا للهِ تَعالَى فِى الأَيَاتِ الَّتِى ذَكَرْنَاهَا؟ فَلَنْ يَسَعَ المُفْتَئِتُ إلاَّ القَوْلَ بِلاَ، وَهُنَا نَسْأَلُهُ وَنَقُولُ: فَلِمَاذَا سَوَّيتَ بَينَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ فِى بُعْدِ الزَّمَن فَجَعَلْتَهُ عَائِقًا للهِ، وَفَرَّقْتَ هُنَا فَجَعَلْتَ المَكَانَ غَيْرَ عَائِقٍ؟ . . عَجِيبَةٌ عُقُولُهُم!

فَاللهُ تَعَالَى إذًا يَرَى، وَيَسْمَعُ كُلَّ مَكَانٍ فِى مُلكِهِ مَعًا، بِلاَ بُعْدٍ زَمَنِىٍّ، بَلْ وَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ لِلجَبَل عَلَى الفَور أثْنَاء كَلاَمِهِ تَعَالَى لِمُوسى:

وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّۭا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًۭا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٤٣﴾ الأعراف.

وَوَاضِحٌ أنَّ المَكَانَ لاَ يُشَكِّلُ أىّ عَائِقٍ للهِ تَعَالى، لِيَتَنَاولَهُ، أو يَجْتَازَهُ مِثل المَخْلُوقَاتِ مَهْمَا كَانت سُرْعَتُهَا.

1/7/7 ـ إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ عَن المُسْتَقْبَل بِصِيغَةِ المَاضِى:

فَنَظَرًا لأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لا يُقَيِّدُهُ الزَّمَن فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَن الأحداثِ المستقبليةِ بصِيغَةِ المَاضِي، وَلنُرَاجِعَ بَعْضَ ذَلِكَ:

فَلَفْظُ “ءَاتَى” (كَمِثَالٍ) المُفْتَرَضُ أنْ يُعَبِّرُ عَن المَاضِى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۖ …﴿٥٤﴾ النساء.

وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ هُوَ خَيْرًۭا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّۭ لَّهُمْ ۖ …﴿١٨٠﴾ ءال عمران.

وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ فِى اسْتِخْدَامِهِم لِلَّفْظِ فِى كَلاَمِهِم. ولَكِنَّنَا سَنَجِدُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْتَخْدِمُهُ فِيمَا لَم يَحْدُث بَعد، مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ المُسْتَقْبَلَ هُوَ وَالمَاضِى عِنْدَ اللهِ سِيَّان، وَيَسْتَويَان، لِعِلمِهِ بِكِلَيْهِمَا، وَلِتَحَقُّق حُدُوثهمَا، وَلنُرَاجِع:

“إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍ ﴿١٥﴾ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ ۚ …﴿١٦﴾ الذاريات.

“إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍۢ وَنَعِيمٍۢ ﴿١٧﴾ فَـٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ …﴿١٨﴾ الطور.

لَمْ يَقُلْ اللهُ تَعَالَى (مَثَلاً): إنَّ المُتَّقِينَ سَيكُونُونَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَسَيَأخُذُونَ مَا سَيُؤتِيهِم رَبُّهُم. وَأيضًا كقولهِ تعالى:

“أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾ النحل.

لَمْ يَقُلْ اللهُ تَعَالَى (مَثَلاً): سَيَأتِى أمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه، بَل هُوَ مُنْقَضٍ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ، فَقَدْ ءَاتَى، أمَّا بالنِسْبَةِ لِلنَّاسِ، فَهُوَ فِى الطَريقِ إلَيهِم، . . وَهَكّذَا. نَفْسُ الشَيْءِ نَجِدُهُ فِى أحْدَاثِ يَومِ القِيَامَةِ إذ يَتَنَاولُهَا اللهُ بِصِيغَةِ المَاضِى، كَقَولِهِ: “وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ”، “وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ..”، وَهَكَذَا دُونَ دَاعٍ لِلإطَالَةِ.

وَأَكْتَفِى بِهَذِهِ النِقَاطُ السَبْع، وَتَرَكْتُ الكَثِيرَ فِى هَذَا البَابِ، مِمَّا يَمُرُّ عَلَى الكَثِيرينَ مُرُورَ الكِرَامِ، وَهُوَ يَحْمِلُ فِى طَيَّاتِهِ الكَثِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلاً: “يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ”، بَدَلاً مِن: “سَيَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ”، . . وَهَكَذَا.

والخُلاَصَةُ:

أنَّ مَا سَرَدْنَاهُ فِى هَذِهِ النِقَاطِ السَبْعَةِ الخَاصَّةِ بِبُعْدِ الزَّمِن، يُظْهِرُ جَلِيًّا أنَّ فِكْر شَحْرُور الَّذِى نَسَبَ نَفْسَهُ لِلفِكْر المُعَاصِر، هُوَ وَسَلَفُهُ مِنَ اليَهُود كَانَ فِكْرًا سَطْحِيًّا لِلغَايِةِ، وَبَعِيدًا عَن: نُصُوصِ كِتَابِ اللهِ، وَعَن فَهْم الكَوْنِ، وَعَن فَهْمِ الزَّمَنِ، وَعَن فَهْمِ الفَارِقِ بَيْنَ المَخْلُوقِ والخَالِقِ، وَالأهَمُّ هُوَ جَهْلُهُم بِاللهِ تَعَالَى؛ حَتَّى أنَّهُم ـ كَمَا رَأَينَا ـ:

● اعْتَبَرُوا أنَّ الزَّمَنَ قَيدٌ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَحْدُثُ، حَتَّى يَحْدُث.

● أنَّهُم قَاسُوا حَالَ اللهِ عَلَى حَالِهِم، وَألْزَمُوا اللهَ بِدَينُونَتِهِم، وَمَحْدُوُدِيَّتِهِم.

● أنَّهُم لَم يَجُعَلُوا اللهَ سُبْحَانَهُ مَرْجِعًا لَهُم فِى أمْرٍ خَطِيِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ الأَمْرُ.

● أنَّهُم تَجَاهَلُوا، أنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ الزَّمَن، فَلاَ يَصِحُّ مُجَرَّدِ التَفْكِير فِى أنَّ مَخْلُوقًا مَا، أصْبَحَ قَيْدًا عَلَى الخَالِقِ، وَحَاشَاهُ.

● أنَّهُم جَهَلُوا أوْ تَجَاهَلُوا تَغَيّر الزَّمَنِ فَجَعَلُوهُ مُطْلَقًا.

● أنَّهُم جَهِلُوا أنَّ لُزُومَ الزَّمَنِ، هُوَ خَاصٌّ بِفِيزْيَاءِ الكَونِ المَخْلُوقِ، بِمَن فِيهِ مِن مَخْلُوقَاتٍ، لاَ بِالخَالِقِ.

● أنَّهُم تَجَاهَلُوا مَسْألَةَ إِمْسَاكِ اللهِ بِكَوْنِهِ، وَأنَّ المُمْسِكَ بالكَوْنِ لاَبُدَّ وَأنْ يَكُونَ خَارِجَهُ، وَبِالتَالِى خَارِجَ قَوَانِينَهُ.

● أنَّهُم جَهِلُوا مَسْأَلَةَ تَفَاعُلَ اللهِ تَعَالَى مَعَ خَلْقِهِ فِى اللاَزَمَنِ.

● أنَّهُم فَرَّقُوا بَيْنَ الزَّمَان، وَالمَكَانِ، بِغَيْرِ أىّ حُجَّةٍ.

● أنَّهُم أخِيرًا قَدْ تَجَاهَلُوا مَسْألَةَ كَلاَمِ اللهِ بِصِيَغِ المَاضِى، لِمَا لَمْ يَأتِ بَعْدُ؛ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ الأَزْمِنَةِ بِالنِسْبَةِ لَهُ تَعَالَى.

المِحْوَرُ الثَّانِى: النُصُوصُ القَطْعِيَّةُ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَفْعَلُ العِبَادُ يَوْمَ القِيَامَةِ

إذَا مَا رَتَّلنَا الأَيَات الوَارِدَةَ فِى أحْدَاثِ يَوْمِ القِيَامَةِ فَسَنُلاَحِظُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ تَفَاصِيلَ يَوْم القِيَامَةِ، بِمَا فِى ذَلِكَ أَفْعَالَ العِبادِ يَومِهَا، بَيْنَمَا هُوَ يَوْمٌ لَمْ يَأتِ بَعْدُ (بِالنِسْبَةِ لَنَا) لاَ زَمَانًا وَلاَ مَكَانًا، ولنُطَالِعُ بَعْضَ ذَلِكَ:

2/1/8 ـ حُوارُ اللهِ مَعَ عِيسَى:

يَقُولُ تعالى فِى سُورَةِ المَائِدَةِ:

وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُۥ فَقَدْ عَلِمْتَهُۥ ۚ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ ﴿١١٦﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَآ أَمَرْتَنِى بِهِۦٓ أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًۭا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾“.

فَهَل مَا نَقَلَهُ اللهُ تَعَالَى هُنَا مِن قَولِ النَّبيِّ عِيسَى فِي ذَلِكَ اليَوْمِ هُوَ حُوُارٌ مُفَبْرَكٌ، أم حَقّ؟

وَهَل هُوَ نَقْلٌ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، أمْ نَقْلٌ عَلَى وَجْهِ الاحْتِمَالِ كَمَا يَزْعُم شَحرور وَأشبَاهِهِ؟!

المُؤمِنُ يَقُولُ إنَّ هَذَا المَنقُول هُوَ حَقٌّ، وَسَيَحْدُثُ كَمَا نُقِلَ، وَذَاكَ لأَنَهُ كَلاَم اللهِ، واللهُ لاَ يَقُولُ إلاَّ حَقًّا. أمَّا المُتَشَكِّكُ فِى قُدْرَةِ اللهِ عَلَى العِلْمِ بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ العِبَادِ قِبل وُقُوعِهَا، والقَائلُ بِاحْصَائِيَّةِ واحْتِمَالِيَّةِ العِلْمِ فَتَقَعُ هَذِهِ الأيَات عَلَى سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ أثْقَلُ مِن جَبَال الهيمَالاَيَا، وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ لَمَحَاهَا مِن الكِتَابِ انْتِصَارًا لِهَوَاه، وَلاَ يَسَعهُ إلاَّ التَسْلِيم بِهَا، وَإن حَاولَ الالْتِفَافِ عَلَيْهَا لاَحِقًا.

2/2/9 ـ تَحَاجُجُ أَهْلِ النَّار:

نَقَلَ اللهُ هَذِهِ المُحَاجَّةِ بِسُورَةِ غَافِر فَقَالَ تَعَالَى:

وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًۭا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًۭا مِّنَ ٱلنَّارِ ﴿٤٧﴾ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُلٌّۭ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ ﴿٤٨﴾ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًۭا مِّنَ ٱلْعَذَابِ ﴿٤٩﴾ قَالُوٓا۟ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ ۚ قَالُوا۟ فَٱدْعُوا۟ ۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُا۟ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَـٰلٍ ﴿٥٠﴾.

نُلاَحِظُ أنَّ اللهَ تَعَالَى بَدَأَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: “وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ“، فَهَل يَقُولُ اللهُ حَقًّا، أم احْتِمَالاً؟!

فَإنْ كَانَ حَقًّا فَهُوَ نَقلٌ لِلمُحَاجَّةِ كَمَا سَتَحْدُثُ، قَبْلَ أن تَحْدُثَ، فَأينَ مَوْقِعَ الزَّمَنِ فِى المَوْضُوعِ، وَأيْنَ مَوقِع الاحِتِمَالاَتِ؟!

2/3/10 ـ حُوارُ أصْحَابِ الأَعْرَافِ:

يَقُولُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَعْرَافِ:

“وَنَادَىٰٓ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّۭا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّۭا ۖ قَالُوا۟ نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌۢ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٤٤﴾ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًۭا وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ كَـٰفِرُونَ ﴿٤٥﴾ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌۭ ۚ وَعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌۭ يَعْرِفُونَ كُلًّۢا بِسِيمَىٰهُمْ ۚ وَنَادَوْا۟ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾ ۞ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُوا۟ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٤٧﴾ وَنَادَىٰٓ أَصْحَـٰبُ ٱلْأَعْرَافِ رِجَالًۭا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمْ قَالُوا۟ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٨﴾ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٤٩﴾ وَنَادَىٰٓ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا۟ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿٥٠﴾“.

فَهَل مَا نَقَلَهُ اللهُ تَعَالَى هُنَا مِن قَولِ أصحَابِ الأَعْرَافِ، وَوَصفِ صَرفِ أبْصَارِهِم تِلْقَاءَ أصْحَابِ النَّار فِي ذَاكَ اليَوْمِ، والحِوَارَات الدَائِرَةُ بَينَ أصْحَابِ النَارِ وَأَصْحَابِ الجَنَّةِ هُوَ نَقْلٌ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، أمْ نَقْلٌ عَلَى وَجْهِ الاحْتِمَالِ كَمَا يَزْعُم شَحرور وَأشبَاهِهِ؟!

2/4/11 ـ حُوارُ أهْلِ الجَنَّةِ مَعَ أَهْلِ النَّارِ:

يَقُولُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الصَافَّاتِ:

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ يَتَسَآءَلُونَ ﴿٥٠﴾ قَالَ قَآئِلٌۭ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌۭ ﴿٥١﴾ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًۭا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ﴿٥٤﴾ فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴿٥٥﴾ قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿٥٨﴾ إِلَّا مَوْتَتَنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٥٩﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ ﴿٦١﴾“.

فَهَل يَقُصُّ اللهُ تَعَالَى هُنَا احْتِمَالاً مِن الاحْتِمَالاَتِ، أم يَقُصُّ بِحَقٍّ مَا سَيَحْدُث يَومَ القِيَامَة؟!

وَهَل هُوَ قَصٌّ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، أمْ قَصٌّ عَلَى وَجْهِ الاحْتِمَالِ كَمَا يَزْعُم شَحرور وَأَشْيَاعُهُ؟!

وَهَل هُوَ بِصِيِغَةِ المُسْتَقْبَلِ أَمْ بِصِيِغَةِ المَاضِى؟!!!

2/5/12 ـ حُوارُ الشَيْطَانِ مَعَ حِزْبِهِ:

يَقُولُ تَعَالَى فِى سُورَةِ إبْرَاهِيم:

وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا۟ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿٢٢﴾“.

وَوَاضِحٌ أنَّ تَوْقِيتَ كَلاَم الشَيْطَانِ هُنَا هُوَ بَعْدَ الفَصْلِ بَينَ العِبَاد، وَفِيهِ مَا نَرَاهُ مِن تَفْصِيلٍ لِمَا سَيُقَال، وَلَيْسَ عَلَىَ سَبِيلِ الاحْتِمَالِ كَمَا يُشَاع!

2/6/13 ـ حُوارُ اللهِ مَعَ أهْل جَهَنَّم:

ثُمَّ انْظُر إلَى هَذَا الحُوار الَّذِى نَقَلَهُ اللهُ تَعَالَى بِسُورَةِ “المُؤْمِنُون”:

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَ‌ٰزِينُهُۥ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ ﴿١٠٣﴾ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿١٠٥﴾ قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًۭا ضَآلِّينَ ﴿١٠٦﴾ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ ﴿١٠٧﴾ قَالَ ٱخْسَـُٔوا۟ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴿١٠٨﴾ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٌۭ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّ‌ٰحِمِينَ ﴿١٠٩﴾ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴿١١٠﴾ إِنِّى جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوٓا۟ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ﴿١١١﴾ قَـٰلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴿١١٢﴾ قَالُوا۟ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍۢ فَسْـَٔلِ ٱلْعَآدِّينَ ﴿١١٣﴾ قَـٰلَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًۭا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١٤﴾.

تَجِدُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْألُ أهْلَ النَّارِ مِمَّن خَفَّت مَوَازِينُهُم، وَهُم يُجِيبُونَهُ، وَيَسْأَلُونَهُ أن يُخْرِجَهُم مِن النَّارِ، فَيَنْهَرَهُم، . . وَهَكَذَا.

فَهَل هَذَا الحُوَارُ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الاحْتِمَالِ، أم أنَّهُ أمرٌ وَاقِعٌ لاَ مُحَالَة؟!

وَهَل هُوَ بِصِيِغَةِ المُسْتَقْبَلِ أَمْ بِصِيِغَةِ المَاضِى؟!!!

وَالخُلاَصَةُ:

أنَّ كُلَّ أَحْدَاثِ يَوْمَ القِيَامَةِ الَّتِى سَتَقَعُ فِي المُسْتَقْبَل قَدْ أخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَي بِالكَثِيرِ مِنْهَا، بِمَا فِى ذَلِكَ أفْعَالُ العِبَادِ يَومَئِذٍ. وَمِنهَا حِوَارَاتٌ جَرَت بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ رُسُلٍ بِعَيْنِهِم (كَعِيسَى)، وَبَيْنَ الرُسُلِ عُمُومًا كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى بِسُورَةِ المَائِدَةِ: “۞ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا۟ لَا عِلْمَ لَنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ ﴿١٠٩﴾“، وَحِوَارَاتٌ جَرَت بَيْنَ أصْحَابِ النَّارِ وَبَيْنَ أصْحَابِ الجَنَّةِ، وَبَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أصْحَابِ النَّارِ، وَبَيْنَ الشَيْطَانِ وَبَيْنَ أصْحَابِ النَّارِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ الكَثِيرُ مِمَّا أورَدْنَاهُ هُنَا وَمِمَّا تَرَكْنَاهُ لِبَحْثِ القُرَّاءِ.

وَكَانَ المُفْتَرَض ـ طِبْقًا لِمَذْهَبَىِّ اليَهُودِ وَشَحْرُور فِى جَهْلِ اللهِ (وَحَاشَاهُ) بأعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَليَّةِ عُمُومًا أوْ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ ـ ألاَّ يَعْلَم اللهُ مَا سَيَقُولهُ عِيسَى عِنْدَمَا يَسْأَلهُ اللهُ تَعَالَى، وَألاَّ يُوردُ مِثلَ هَذَا الحُوَار ـ الأُخْرَويّ ـ بكِتَابهِ مِنَ اَلأَسَاسِ، وَأَلاَّ يَعْلَمُ أَيْضًا أَفْعَالَ، وَأَقْوَالَ النَّاسِ، وَالمَلاَئِكَةِ، وَأَصْحَابِ النَّارِ، وَمَالِكِ، وَأَصْحَابِ الجَنَّةِ . . الخ. وَلَكِنَّ الحَادِثَ هُوَ عَكْسُ ذَلِكَ، مَا يَدُلُّ عَلَي خَطَأِ مَا ذَهَبَ إِلَيهِ أَصْحَابُ القَوْل الخَاطِئ، وَعَلَى أنَّ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى هُوَ عِلمٌ مُحِيطٌ، وَعَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، لاَ عَلَى وَجْهِ الاحْتِمَالِ هُوَ الحَقُّ، لاَ كَمَا يَتَوَهَّمُ قَلِيلُوا العِلْمِ والتَقْوَى، مِمَّن يُجَادِلُونَ فِى اللهِ تَعَالَى بِغَيرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدَىً وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ.

المحْوَرِ الثَّالِث: النُصُوصُ القَطْعِيَّةُ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَفْعَلُ العِبَادُ (عُمُومًا).

بِخِلاَفِ مَا سَبَقَ سَنَجِدُ الكَثِيرِ مِن الأَيَاتِ النَاصَّةِ عَلَى عِلْمِ اللهِ المُسْبَقِ بِأعْمَالِ العِبَادِ، وَمِن ذَلِكَ:

3/1/14 ـ مَغْفِرَةُ اللهِ لِرَسُولِهِ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وَمَا تَأخّر:

يَقُوُلُ اللهُ تَعَالَي مُبَيِّنًا أنَّ الشِرْكَ إثْمٌ عَظِيمٌ:

إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ‌ٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰٓ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾النساء.

وَالنَصُّ فِيهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بهِ.

وَيَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَذِّرًا إيَّاهُ مِن الوُقُوعِ فِى الشِرْكِ:

وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٦٥﴾الزمر.

فَسَوَاءٌ وَقَعَ الشِرْكُ مِن مُقْتَصِدٍ أَوْ مِن مُحْسِنٍ ـ وَلَوْ كَانَ نَبيًّا ـ فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُهُ؛ وَلِذَا يَقُوُلُ سُبْحَانَهُ لِنَبيِّهِ مُحَمّد مُحَذِّرًا إيَّاهُ بَعْدَ أَنْ كَادَ أَنْ يَرْكَنَ لِلكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ شَيْئًا قَلِيلاً:

وَإِن كَادُوا۟ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ ۖ وَإِذًۭا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًۭا ﴿٧٣﴾ وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـًۭٔا قَلِيلًا ﴿٧٤﴾ إِذًۭا لَّأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًۭا ﴿٧٥﴾ الإسراء.

وَمَع كُلّ هَذِهِ المَحَاذِير المُحْتَمِلَةِ الوقُوعِ، فَإنَّنَا نَجِدُ بنَفْسِ الوَقْتِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُوُلُ لِنَبيِّهِ:

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًۭا مُّبِينًۭا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَ‌ٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا ﴿٢﴾ الفتح.

الَّذِي يَدُلُّ عَلي أنَّ اللهَ تَعَالى قَدْ غَفَرَ للنَّبيّ مَا تَأخَّرَ مِن ذَنْبِهِ، أيّ مَا سَيأتي مُتَأخِّرًا إلي نِهَايةِ عُمرهِ.

وَلَوّ قُلنَا بأنَّ اللهَ تَعَالى ـ وَحَاشَاهُ ـ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَفْعَلُهُ النَبيُّ فِي المُسْتَقْبَلِ الأَتِي مِن حَيَاتِهِ إلاَّ عَلَى سَبِيلِ الاِحْتِمَالاَتِ، لَكَانَت هَذِهِ المَغْفِرَةِ الاسْتِبَاقِيَّةِ وَاقِعَةٌ فِي حَيِّز المُغَامَرةِ وَالمُجَازَفةِ؛ إذْ إنَّهُ هُنَاكَ احْتِمَالٌ قَائِمٌ أنْ يَقَعَ ثَمّةَ خَطَأٍ مَا، يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ بهِ النَّبيّ فِي أَي شِركٍ وَلَوْ ضَئِيلٍ فِيمَا تَبَقَّى لَهُ مِن عُمُرِهِ، وَإلاَّ كَانَ قَولُهُ تَعَالَى بِسُورَةِ الزُّمَر: “وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٦٥﴾” زَائِدًا وَلاَ حَاجَةَ لَهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى بِسُورَةِ ءَال عِمْرَان:

وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّۦنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَـٰبٍۢ وَحِكْمَةٍۢ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌۭ مُّصَدِّقٌۭ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥ ۚ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَ‌ٰلِكُمْ إِصْرِى ۖ قَالُوٓا۟ أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَٱشْهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ ﴿٨١﴾ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ ﴿٨٢﴾“.

فَتَحْذِيرُ اللهِ لِلنَبِيِّينَ مِن التَوَلِّى، يَجٍعَلُ ذَلِكَ مُمكِنَ الحُدُوثِ، وَإلاَّ كَانَ زَائِدًا، وَحَاشَا للهِ أنْ يَقُولَ حَرْفًا زَائِدًا فَضْلاً عَن كَلِمَةٍ أوْ ءَايَةٍ.

وَلَوْ صَحَّ مَا زَعَمُوهُ مِن جَهْلِ اللهِ تَعَالَيَ بأَفْعَالِ العِبادِ تَحْدِيدًا، لَكَانَت هَذِهِ المَغْفِرَةِ الاسْتِبَاقِيَّةِ ـ المَذْكُورَةِ لِرَسُولِ اللهِ ـ مُصَنَّفةٍ فِي تَحْسِينِ الظَنِّ، وَهُوَ مَا لاَ يَلِيقُ باللهِ تَعَالَى، وَإنَّمَا الصَحِيحُ هُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَعْلَمُ عِلمًا مُطْلَقًا أَنَّ نَبيَّهُ لَنْ يَقَعَ مِنْهُ فِيمَا تَبَقَّى مِن عُمُرهِ شِرْكٌ مَا، وَأَنَّ ذَلِكَ مُمْتَنِعُ الحُدُوثِ حَتَّى يُغَادِرُ النَبيُّ الحَيَاةَ الدُنْيَا. وَالسَبَبُ فِي هَذَا الاِسْتِبَاقُ هُوَ أنَّهُ لاَ يُوجَدُ زَمَنٌ مُسْتَقْبَلٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَإنَّمَا كُلّ هَذِهِ الأَحْدَاثِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ هِىَ فِي حُكْمِ المَاضِي وَالحَاضِر، وَلاَ يَعْزُبُ عُنْهُ مِثقَال ذَرَّةٍ مِن غَيْبٍ إلاَّ وَهُوَ يَعْلَمُهَا سَبْحَانَهُ:

عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿١٨﴾ التغابن.

3/2/15 ـ مسألةُ التقاطِ مُوسَى:

يَقُوُلُ اللهُ تَعَالَي فِى قِصَّةِ نَبِيِّهِ مُوسَى:

“.. إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ ﴿٣٨﴾ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّۭ لِّى وَعَدُوٌّۭ لَّهُۥ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةًۭ مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِىٓ ﴿٣٩﴾ طه.

وَنُلاَحِظُ هُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: “يَأْخُذْهُ عَدُوٌّۭ لِّى وَعَدُوٌّۭ لَّهُۥ“، الَّذِي يُبَيِّنُ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى بأَفْعَالِ العِبادِ فِي المُسْتَقْبَلِ لِتَعَلُّقِهِ بعَمَلِ العَدُوِّ (فِرْعَوْن) المُسْتَقْبَلِيّ، الَّذِي سَيَظَلُّ عَلَي عَدَاوَتِهِ للهِ، ولِلمُؤمِنِ مُوسَى، وَسَيَأخُذُ مُوسَى، وَيَعْتَنِي بهِ، وَيُرَبّهِ، ويَحْتَضِنُهُ. وَكَانَ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَقْتُلَ فِرْعَوْنُ مُوسَىَ بمُجَرَّدِ أَنْ تَنَالَهُ يَدَاهُ، حَيْثُ كَانَ يُذَبِّحُ مَوَالِيدَ بَنِي إسْرَائِيلَ حِينَئِذٍ، أَوْ أَنْ يُؤمِنَ فِرْعَوْنُ مُسْتَقْبَلاً، وَبَابُ الاحْتِمَالاَتِ كَانَ مَفْتُوحًا عَلَى مِصْرَاعَيهِ، بمَا لاَ يُتِيحُ لِمَن يَجْهَل أَعْمَالَ العِبَادِ المُسْتَقْبَليِّةِ أَنْ يُحَدِّدَ مَا سَيَحْدُث عَلَي وَجْهِ اليَقِينِ، وَلَكِنَّ “عَالِمُ أَفْعَال العِبَادِ” فِي المُسْتَقْبَل ـ سُبْحَانَهُ ـ قَالَ لأِمِّ مُوسَي (تَحْدِيدًا لاَ احْتِمَالاً):

“..فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿٧﴾” القصص.

فتَعَدَّىَ سُبْحَانَهُ العِلمَ بمَا سَيَفْعَلُهُ فِرْعَونُ إلَي كُلِّ مَا سَيَحْدُثُ مِنْهُ وَمِن غَيْرِهِ. وَلَوْ أنَّ عِلْمَ اللهِ احْتِمَالِىٌّ لَمَا قَالَ تَعَالَى بِمَا سَيَقَعُ مِن فِرْعَون عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ (10).

3/3/16 ـ كِتَابَةُ عُمْر المُنْتَحِر:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَي فِي مسألةِ الأعْمَار:

“..وَلَا تَقْتُلُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًۭا ﴿٢٩﴾النساء.

وَمَعْلُومٌ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ نَفْسٍ عُمرًا يُعْتَبَرُ حَدًّا أقْصَىً لَهَا، وَبِالتَالِى فَيُمْكِنُ لِلنَفْسِ أنْ تَسْتَكْمِلَ عُمُرَهَا، وَيُمْكِنُ أنْ تُنْقِصَهُ بِطُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِدًا، مِنهَا قَتْلُ نَفْسِهَا بِالانتِحَار، والتَدْخِين، وَشُرْبِ الكُحُولِّ، . . الخ. وَمَفْهُومُ الأَجَل الوَارِدِ فِى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا” يَعْنِى أنَّهُ إذَا مَا تَوَفَّرَت الأَسْبَابُ المُفْضِيَةُ إلَى المَوْتِ فَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ هَذِهِ النَفْس وَلاَ لِلَحْظَةٍ (11).

وَفِى مَسْألَةِ نَقْص العُمُرِ يَقُولُ تَعَالَى:

وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍۢ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍۢ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَ‌ٰجًۭا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِۦ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍۢ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِى كِتَـٰبٍ ۚ إِنَّ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌۭ ﴿١١﴾ فاطر.

وَنُلاَحِظُ أنَّ كُلاًّ مِنَ المُعَمِّر وَنَاقِصَ العُمْرِ قَدْ كُتِبَت أعْمَارهِمَا فِى كِتَابٍ، وَلَوْ لَم يَكُن الله يَعْلَم أعْمَال العِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا لَمَا كُتِبَ عُمْرُ المُنْتَحِر وَأشبَاهِهِ.

والسُؤَالُ الأَن لِمُدَّعِى العِلم هُوَ: هَل كَتَبَ اللهُ الأعْمَارَ، بِمَا فِى ذَلِكَ الأعْمَارَ النَاقِصَةَ كَنَتِيجَةٍ لِفِعْلِ صَاحِبهَا، عَلَى سَبيلِ العِلْمِ المُحَدَّدِ أم عَلَى سَبيل الاحْتِمَال؟!

3/4/17 ـ النَصُّ عَلَى العِلْمِ بَمَا خَلْفَ النَّاسِ:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَي عَنْ نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ:

..يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَىْءٍۢ مِّنْ عِلْمِهِۦٓ إِلَّا بِمَا شَآءَ ۚ …﴿٢٥٥﴾ البقرة.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلْمًۭا ﴿١١٠﴾ طه.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ ﴿٧٦﴾ الحج.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا خَلْفَهُم تَعْنِي مَا سَيَأتِي بَعْدُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا۟ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةًۭ ضِعَـٰفًا خَافُوا۟ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُوا۟ قَوْلًۭا سَدِيدًا ﴿٩﴾ النساء.

وَمِن غَيْرِ المَقْبُولِ عَلَى اللهِ أن يَكُون هُنَا عِلمَان، أحَدُهُمَا (مَا بَينَ أيدِيهِم) يَقِينِى، وَالأَخَرُ (مَا خَلْفَهُم) احْتِمَالِىٌّ، ثُمَّ يُبْهِمُ اللهُ الفَرقَ بَينَهُمَا، وَيَضَعْهُمَا فِى سِيَاقٍ وَاحِدٍ هَكَذَا؛ إذ إنَّ ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ مِن مَخْلُوقٍ لَسُمِّىَ تَدْلِيسًا، وَحَاشَا لِلّهِ مِثْلَ ذَلِك.

3/5/18 ـ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ:

أخْبَرَ اللهُ تَعَالَي عَنْ المُخَلَّفِين مِن الأَعْرَابِ بِمَا سَيَقُولُونَهُ مُسْتَقْبَلاً:

سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَ‌ٰلُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ …﴿١١﴾ الفتح.

ثُمَّ قَالَت الأعْرَابُ نَفس مَا أخْبَرَ بِهِ اللهُ تَعَالَى، فَهَل كَانَ إخْبَارُ اللهِ بعِلْمٍ أم باحْتِمَالٍ؟!

ثُمَّ أصْدَرَ اللهُ حُكْمَهُ فِيهِم فَقَال:

فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍۢ مِّنْهُمْ فَٱسْتَـْٔذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا۟ مَعِىَ أَبَدًۭا وَلَن تُقَـٰتِلُوا۟ مَعِىَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ فَٱقْعُدُوا۟ مَعَ ٱلْخَـٰلِفِينَ ﴿٨٣﴾ التوبة.

ثُمَّ أخْبَرَ اللهُ تَعَالَي بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ المُخَلَّفِين مِن الأَعْرَابِ أنَّهُم مُسْتَقْبَلاً سَيُحَاولُونَ الالْتِفَافَ عَلَى حُكْمِهِ، وَيَطْلُبُونَ الخُرُوج مَع المُؤْمِنِين، وَوَجَّهَهُم إلى رَفْضِ طَلَبِهِم:

سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا۟ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَ‌ٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ ۖ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا۟ لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًۭا ﴿١٥﴾الفتح.

وَقَدْ حَدَثَ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى بالضَبط. وَلَوْ افْتَرَضْنَا أنَّ العِلمَ احْتِمَالِىّ، لَكَانَ هُنَاكَ احْتِمَال بِألاَّ يَقُولَ المُخَلَّفُونَ ذَلِك، وَلَكِنَّ اللهَ سَاقَ قَولَهُم الَّذِى حَدَثَ بَعْدُ فِعْلاً كَمَا قَال، فَأينَ السَبِيل لِلقَولِ بِالعِلمِ الاحْتِمَالِىّ هُنَا (12)؟!

3/6/19 ـ القُرَى المُهْلَكَةِ:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَي عَنْ القُرَى المُهْلَكَةِ:

وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۚ كَانَ ذَ‌ٰلِكَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًۭا ﴿٥٨﴾ الإسراء.

فَهَل هَذَا كِتَابٌ كُتِبَ، أَمْ احْتِمَالٌ كُتِبَ؟، وَهَلْ كُتِبَ هَذَا الإِهْلاَكُ وَالعَذَابُ مُجَازَفَةً وَدُونَ عِلْمٍ بِالقَرْيَةِ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، أَمْ أنَّه كُتِبَ بُنَاءً عَلَى عِلْمٍ أَزَلِيٍّ يَقِينِيٍّ، وَمُحَدَّدَةٌ فِيِهِ القَرْيَةُ، وَزَمَنُ إهْلاَكِهَا، وَسَبَبُ ذَلِكَ؟!

وَلِقَائِلٍ أن يَقُول: إذَا كَان هَذَا الإهْلاَك لِلقَرْيَةِ قَدْ كُتِبَ فِى الكِتَابِ بُنَاءً عَلَى إفْسَادِهَا، فَكَيْفَ سَيَكْتُبُ اللهُ أعْمَال أهْلِهَا بَعْدَ حُدُوثِهَا إذًا؟!

وَالجَوَاب أَنَّ الإهْلاَكَ كُتِبَ بُنَاءً عَلَى العِلْمِ، أمَّا الأعْمَال فَتُكْتَبُ بُنَاءً عَلَى العَمَلِ، أىّ حِينَ حُدُوثِهَا. وَلْنَضْرِبُ مَثَلاً بِقَوْمِ نُوحٍ:

عَصَى قَومُ نُوحٍ رَبَّهُم، وَأَصَرُّوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى إنَّ مُكْثَ نُوحٍ فِيهِم لِمَا يَقْرُبُ مِن الألْفَ سَنَةٍ لَم يُجْدِ:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًۭا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ ﴿١٤﴾ العنكبوت.

كُلَّ يَوْمٍ مِن هَذِهِ الأَيَّام تُكْتَبُ فِيهِ أعْمَالُ القَوْمِ أوَّلاً بِأَوَّلٍ، حَتَّى حَانَ وَقْتُ إهْلاَكِهِم. وَهُنَا سَنُلاَحِظُ أنَّ إهْلاَكَهُم كَانَ مُقَدَّرًا مِن قِبْلِ. يَقُولُ تَعَالَى فِى سُورَةِ القَمَر:

فَفَتَحْنَآ أَبْوَ‌ٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا ٱلْأَرْضَ عُيُونًۭا فَٱلْتَقَى ٱلْمَآءُ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾.

فَأَمْرُ الإهْلاَكِ قَدْ قُدِرَ، بَينَمَا الأعْمَالُ لاَزَالَت تُكْتَبُ، وَلاَ تَعَارُضَ فِى ذَلِكَ، كَمَا سَنَعْرِفُ لاَحِقًا.

3/7/20 ـ دُخُولُ المَسْجِدِ الحَرَامِ:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَي فِى مَسْألَةِ دُخُوُلِ المَسْجِدِ الحَرَامِ:

لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا۟ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ‌ٰلِكَ فَتْحًۭا قَرِيبًا ﴿٢٧﴾ الفتح.

فَهَذَا الَّذِى حَدَثَ وَاقِعًا، قَدْ أرَاهُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ فِى الرُّءْيَا مِن قَبْل حُدُوثِهِ بِزَمَانٍ، ثُمَّ قَال: “لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ”. فَهَل يُقَالُ إنَّ مَا أراهُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ مِن قَبْل حُدُوُثِهِ هُوَ مِن بَابِ الاحْتِمَالاَتِ، أم مِن بَابِ إحَاطَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِمَا سَيَكُونُ، مِن قَبْلِ أن يَحْدُث. وَألَيْسَ هَذَا الدُخُوُل هُوَ مِن أعْمَالِ العِبَادِ أمْ لَيْسَ مِن أعْمَالِهِم؟!

3/8/21 ـ إفْسَادُ بَنِى إسْرَائِيل:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَي فِى مَسْألَةِ إفْسَادِ بَنِى إسْرَائِيل:

وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّۭا كَبِيرًۭا ﴿٤﴾ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًۭا لَّنَآ أُو۟لِى بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًۭا مَّفْعُولًۭا ﴿٥﴾ الإسراء.

سَيُفْسِدُ بَنُو إسْرَآءِيلَ ـ طِبْقًا لِلنَصِّ ـ مَرَّتَيْنِ، فَهَل هَذَا الإفْسَادُ المُعْلَنُ عَنْهُ هُوَ أمْرٌ مُسْتَقْبَلِىٌ أم لا؟ وَهَل هُوَ مِن أعْمَال العِبَادِ أم لاَ؟ فَإنْ كَانَ هَذَا الإفْسَادُ سَيَحْدُثُ مُسْتَقْبَلاً، وَمِن أعْمَالِ العِبَادِ فَهَل عَلِمَهُ اللهُ تَعَالَى قَبْلَ حُدُوثِهِ أم لا؟!

وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

..فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلْءَاخِرَةِ لِيَسُۥٓـُٔوا۟ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا۟ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَلِيُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوْا۟ تَتْبِيرًا ﴿٧﴾ الإسراء.

وَوَاضِحٌ تَمَامًا أنَّ عِلمَ اللهِ مُحِيطٌ، وَعَلَى سَبِيلِ التَحْدِيدِ ـ كَمَا رَأينَا فِى الأَيَاتِ ـ لاَ عَلَى سَبِيلِ الاحْتِمَالِ، وَعَلَى الجَاهِل أن يَتَعَلَّم.

3/9/22 ـ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ:

وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًۭا ۚ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍۢ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّآ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٥﴾ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْـَٔوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٢٦﴾ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ يَـٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿٢٧﴾ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ ﴿٢٨﴾.

وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ. فَهَل عَوْدَتُهُم لِمَا نُهُوا عَنْهُ هِىَ عَوْدَةٌ لِمُمَارَسَةِ مَا سَبَقَ مِن أعْمَالِ العِبَادِ أم لاَ؟ فَإذَا كَانَت الإجَابَةَ بَالإيجَابِ أفَلاَ يَكُونُ اللهُ مُحِيطٌ بِأعْمَالِ العِبَادِ الَّتِى سَتَقَعُ مِنْهُم مُسْتَقْبَلاً؟!

3/10/23 ـ الجَزْمُ بِأَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ أحَدٌ مِنْ قَوْمِ نُوُحٍ:

يَقُولُ اللهُ تَعَالَي عَنْ قَوْمِ نُوُح:

وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ ءَامَنَ …﴿٣٦﴾ هود.

وَلَوْ سَأَلْنَا المُفْتَئِتَ: ألَيْسَ إيمَانُ النَّاسِ مِن أعْمَالِهِم القَلْبِيَّةِ؟ لَقَالَ: نَعَمََ

وَلَوْ تَابَعَنَا وَسَألْنَاهُ: ألَم يُخْبِر اللهُ نَبِيَّهُ نُوحَ بِمَا سَيَقَعُ مِنْ قَوْمِهِ مُسْتَقْبَلاً؟ لأجَابَ (مُضْطَّرًا) بِالإِيجَاب!!

فَنَقُولُ لَهُ: فَكَيْفَ نَصَّبَتَ مِن نَفْسِكَ حَكَمًا عَلَى عِلْمِ اللهِ وَأَنْتَ تَجْهَلَ كُلَّ هَذَا؟

ألَم تَكُن هَذِهِ الأَيَةِ وَحْدَهَا تَكْفِي فِي بَيَانِ أنَّ اللهَ تَعَالَي يَعْلَمُ أعْمَالَ العِبَادِ مِن قَبْلِ أَنْ تَقَعَ؟!

وَلَوْ قَالَ المُفْتَئِتُ بِأنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِى النَّفْسِ لَحْظَة إضْمَارِهِ (كَمَا قَالَ فِى مَسْألَةِ إيمَانِ أبِى بَكْرٍ)، وَبالتَالِى فَقَدْ عَلِمَ مَا فِى أنْفُسِ قَومِ نُوحٍ لَحْظَتَهَا، وَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولِهِ، لَقُلْنَا لَهُ: أتَرَى أنَّ اللهَ تَعَالَى يُخْبِرُ هُنَا عَن الحَاضِرِ، أم عَن المُسْتَقْبَل؟ وَلاَ يَسَعَهُ إلاَ القَولَ بِالمُسْتَقْبَل!!!

فَنَقُولُ لَهُ: نَحْنُ نُشَاهِدُ تَقَلُّبَ النَّاسِ وَتَغَيُّرَ مَا فِى أنْفُسِهِم مَع الوَقتِ فَهَل تُجِيزَ ذَلِكَ، أم تَقُولَ بِثَبَاتِ مَا فِى الأنْفُسِ؟ وَلاَ يَسَعَهُ إلاَ القَولَ بِالتَغَيُّرِ!!!

فَنَقُولُ لَهُ فَهَل تُجِيزُ (بَعِيدًا عَمَّا أخْبَرَ اللهُ بِهِ) أنْ يَتَغَيَّرَ حَالَ بَعضِ قَوْمِ نُوحٍ مَعَ الوَقْتِ أم لاَ؟ وَلاَ يَسَعَهُ إلاَّ الإِجَابَةَ بِالإِيجَابِ!!!

فَنَقُولُ لَهُ: قَدْ نَقَضّتُ بِذَلِكَ قَولَكَ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى بَنَى عِلْمَهُ عَلَى الاحْتِمَال، أوْ عَلَى مَا فِى الأنْفُسِ.

ثُمَّ نُزِيدَهُ وَنَقُولُ: ألَيسَ إخْبَارُ اللهِ هُنَا يَشْمَلُ الصَغِيرَ إذَا مَا كَبُرَ، وَلاَ يَسَعَهُ إلاَّ الإِجَابَةَ بِالإِيجَابِ، فَنَقُولُ لَهُ: فَهَلْ كَانَ فِى نَفْسِ الطِفلِ وَالرَضِيعِ إيمَانٌ وَقْتَ الإخْبَارِ؟ وَلاَ يَسَعَهُ إلاَّ الإِجَابَةَ بِالنَفْىّ، فَنَقُولُ لَهُ: فَكَيْفَ تَقُولُ إذًا بِأَنَّ اللهَ أخْبَرَ بُنَاءً عَلَى مَا فِى الصُدُورِ، وَهُوَ هُنَا مُنْعَدِمٌ؟ قَدْ نَقَضّتُ بِذَلِكَ قَولَكَ الأَوَّل، وَتَبَيَّنَ أنَّ اللهُ تَعَالَى يَقُولُ إنَّهُم لَنْ يُؤمِنُوا مَهْمَا طَالَ بِهِم الزَّمَن، طِفْلَهُم، وَشَيْخَهُم، وَحَتَّى مَن سَيُولَدُ بَعْدٌ لَوْ وُلِدَ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لاَ يَقُولُ مِثلَ ذَلِكَ بَالاِحْتِمَال، فَكُفَّ عَنِ النَّاسِ أذَاكَ!

وَالخُلاَصَةُ:

أنَّنَا قَدْ رَأيْنَا فِى هَذَا المِحْوَر الثَالِثِ كَيْفَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لِرَسُولِهِ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وَمَا تَأخّر، وَمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَحْدُثَ لَوْلاَ عِلْمُ اللهِ بِسَلاَمَةِ رَسُولِهِ مِنَ الشْرِكِ حَتَّى نِهَايَةِ عُمُرِهِ، كَمَا رَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ بمَا سَيَفْعَلَهُ فِرْعَوْنُ مَعَ مُوسَى، قَبْلَ وُقُوعِهِ، كَمَا نَاقَشْنَا مَسْألةَ كِتَابَةِ عُمْر المُنْتَحِر مِن قَبْلِ أنْ يَنْتَحِر، كَمَا رَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى العِلْمِ بَمَا خَلْفَ النَّاسِ، وأخْبَرَ بِمَا سَيَقُولُهُ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ مِن قَبْلِ أنْ يَقُولُوه، كَمَا نَاقَشْنَا مَسْألةَ القُرَى المُهْلَكَةِ بِسَبَبِ أعْمَالِهَا، وَكَيْفَ أنَّ الإهْلاَكَ كَانَ مَكْتُوبٌ مِن قَبْلِهَا، وَرَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أخْبَرَ بِدُخُولِ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَبِإفْسَادِ بَنِى إسْرَائِيل مَرَّتَيْنِ مِن قَبْلِ أنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ، وَأخِيرًا فَقَدْ رَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ بمَا سَيَفْعَلهُ قَوْمُ نُوُحٍ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ رَسُولَهُ نُوحَ بِذَلِكَ مِن قَبْلِ أنْ يَحْدُثَ، مَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ أنَّ اللهَ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكَوْنِهِ، بِمَا فِى ذَلِكَ العِبَادِ، وَأعْمَالِهِم.

رَابِعًا: عِلمُ اللهِ تَعَالَى بِمَا لَن يَكُون (كَيْفَ كَانَ سَيَكُونُ لَوْ كَانَ):

العِلْمُ لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ. إلاَّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا كَانَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ عِلْمُهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ عِلْمٌ. وَبِالتَالِى فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أحَدٌ كَائِنًا مَن كَانَ أنْ يَعْرِفَ شَيئًا مَا عَن هَذَا العِلْمِ إلاَّ أنْ يُخْبِرَ اللهُ بِهِ. وَقَدْ عَرِفْنَا مِنَ المَحَاورِ السَابِقَةِ كَيْفَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْمًا، بِمَا فِى ذَلِكَ أعْمَالُ العِبَادِ:

ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَ‌ٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾الطلاق.

لَم يَتَوَقَّفُ الأَمْرُ عِنْدَ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِمَا سَيَكُونُ، وَإنَّمَا تَعَدَّاهُ إلىَ مَاهُوَ أكْثَرُ مِنْهُ، فَقَدْ نَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلى أنَّ عِلْمَهُ هُوَ عِلْمٌ تَجْريدِىٌّ، بِمَعْنَى أنَّهُ عِلْمٌ مُجَرَّدٌ مِنَ الوَاقِعِ وَالحُدُوثِ، أوْ بِصِيغَةٍ أُخْرَى هُوَ عِلْمٌ بِالوَاقِعِ وَبِمَا سَيَكُونُ مِن غَير تَحَقُّقِ هَذَا الوَاقِع، وَبِمَا فِى ذَلِكَ مَا لَنْ يَكُوُنَ، كَيفَ كَانَ سَيَكُونُ، لَوْ كَان. أى أنَّ التَجْريدَ يَعْنِى هُنَا العِلْمَ بِمَا سَيَكُونُ فِى أىّ اتِجَاهٍ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، لَوْ شَاءَهُ اللهُ، أوْ لَمْ يَشَأهُ، وَلْنُطَالِعُ بَعْضَ ذَلِكَ:

4/1/24 ـ عِلْمُ اللهِ بِمَا سَيَقُولُهُ المُجْرِمُونَ لَوْ فَتَحَ عَلَيْهِم بَابًا مِن السَمَاءِ:

يَقُولُ الحَقُّ تَعَالَى: وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًۭا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّوا۟ فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤﴾ لَقَالُوٓا۟ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌۭ مَّسْحُورُونَ ﴿١٥﴾ الحجر.

لَنْ يُفْتَحَ بَابٌ مِنَ السَمَاءِ، وَلَنْ يَعْرُجَ المُجْرِمُونَ فِيهِ، وَلَكِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَاذَا سَيَكُونُ مِنْهُم عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ لَوْ شَاءَ ذَلِكَ، . . سُبْحَانَك رَبِّى وَتَقَدَّسْت، وَوَسِعْتَ كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا.

4/2/25 ـ عِلْمُ اللهِ بِمَا سَيَقُولُهُ الكُفَّارُ لَوْ جَعَلَ القُرْءَان أعْجَمِيًّا:

يَقولُ تَعَالَى: وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّۭا لَّقَالُوا۟ لَوْلَا فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥٓ ۖ …﴿٤٤﴾ فصلت.

لَنْ يَجْعَلَ اللهُ القُرْءَانَ أعْجَمِيًّا، وَلَكِن لَوْ كَانَ ذَلِكَ قَدْ حَدَثَ؛ لَقَالوَا مَا نَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالتَحْدِيدِ: “لَوْلاَ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ”.

وَدُونَ دَاعٍ للإِطَالَة فَالأَيَاتُ كَثِيرَةٌ فِى البَابِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

…وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَـٰدِ ۙ …﴿٤٢﴾ الأنفال.

…وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًۭا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ…﴿٤٣﴾ الأنفال.

وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰبًۭا فِى قِرْطَاسٍۢ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا سِحْرٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿٧﴾ الأنعام.

“وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـٰهُم بِعَذَابٍۢ مِّن قَبْلِهِۦ لَقَالُوا۟ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًۭا فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ ﴿١٣٤﴾ طه.

كُلُّ هَذَا (وَغَيْرُهُ عَشَرَات الأياتِ)، يَنُصُّ عَلَى عِلْمِ اللهِ التَجْرِيدِىِّ، المُجَرَّدِ عَن الوَاقِعِ، وَالمُحِيطِ أيضًا بِكُلِّ مَالَنْ يَكُونَ؛ كَيْفَ كَانَ سَيَكُونُ لَوْ كَانَ. فُسُبْحَانَ مَن تَجَرَّدَ عِلْمُهُ عَنْ خَلْقِهِ، فَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا:

..وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿٨٠﴾ الأنعام.

وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍۢ مُّحِيطًۭا ﴿١٢٦﴾ النساء.

إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًۭا ﴿٩٨﴾ طه.

خامِسًا: عِلْمُ بَعْضِ العِبَادِ بِبَعْضِ مَا سَيَعْمَلَهُ غَيْرُهُم مِن العِبَادِ:

بَلَغَ الجَهْلُ بِعِلْمِ اللهِ، مِن شَحْرُورٍ وَأشْبَاهِهِ، كُلَّ مَبْلَغٍ، حَتَّى أنَّ القَاريءَ لِيَنْدَهِشَ هُنَا مِن أنَّ هَؤلاَءِ يُقِرُّونَ ـ اضْطِرَارً ـ لِبَعْضِ الأَنْبِيَاءِ بالعِلْمِ بِأعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، بِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى مَنَعُوهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِى أعْلَمَ هَؤلاَءِ الأنْبيَاء بِمَا قَالُوه وَأنْبَأوا بِهِ؛ وَلْنُطَالِعُ بَعْضَ ذَلِكَ:

5/1/26 ـ عِلْمُ عِيسَى بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ عَن نَبِيِّهِ عِيسَى:

وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِـَٔايَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّىٓ أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًۢا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ وَأُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَةًۭ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٤٩﴾ ءَال عمران.

فَعِيسَى عِنْدَهُ القُدْرَةَ، عَلَى أنْ يُنَبِّئَ أىَّ وَاحِدٍ، مِن بَنِى إسْرَآءِيل (مِن مُعَاصِريهِ)، بِمَا سَيَأكُل: “وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ”. وَالسُؤَالُ هُنَا لِلمُفْتَئِتِ عَلَى اللهِ تَعَالَى هُوَ:

هَلْ فِعْلُ الأَكْلِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ عَمَلٌ أمْ لاَ؟

وَهَلْ الزَّمَنُ الَّذِى سَيَتَنَبَّأُ بِهِ عِيسَى هُوَ زَمَنٌ مُسْتَقْبَلِىٌّ أم لاَ (13)؟

فَإِذَا كَانَ الأَكْلُ هُوَ عَمَلاً وَاخْتِيَارًا، وَالزَّمَنُ مُسْتَقْبَلِيًا فَكَيْفَ عَلِمَ عِيسَى ذَلِكَ؟

ألَمْ يَكُن الإخْبَارُ هُوَ مِنَ اللهِ تَعَالَى؟!

أم أنَّ عِيسَى يَعْلَمُ عِلْمًا خَاصًّا وَمُسْتَقِلاً، واللهُ (وَحَاشَاهُ) لاَ يَعْلَمُ؟

5/2/27 ـ عِلْمُ يُوسُفَ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

يَقُولُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ يُوسُف عِنْدَمَا قَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ بِالسِجْنِ رُؤيَاهُمَا:

يَـٰصَىٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُۥ خَمْرًۭا ۖ وَأَمَّا ٱلْءَاخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِۦ ۚ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴿٤١﴾ يوسف.

فَيُوسُف عَلِمَ مِنَ الرُؤىَ بِمَا سَيَحْدُث لِصَاحِبَىِّ السِجْنِ مُسْتَقْبَلاً، وَمِن ذَلِكَ مَا سَيَفْعَلُهُ أحَدُهُما مِن سِقَايِةِ رَبِّهِ الخَمْر. وَهَذِهِ السِقَايَةِ هِىَ ـ بَدَاهَةً ـ مِن أعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ.

إذًا فَقَدْ اسْتَوْدَعَ اللهُ تَعَالَى، بَعْضَ أعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، فِى رُؤَىَ البَعْضِ، بِحَيثُ يَتَمَكَّنُ مَن عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى تَأويِلِ هَذِهِ الرُؤَى، مِنَ الإحَاطَةِ بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ هَؤلاَءِ الرُؤَاةِ (14).

5/3/28 ـ عِلْمُ عِيسَى بِبَعْضِ أعْمَالِ نَفْسِهِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

يَقُولُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ عِيسَى وَأُمِّهِ بِسُورَةِ مَرْيَم:

فَأَتَتْ بِهِۦ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُۥ ۖ قَالُوا۟ يَـٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْـًۭٔا فَرِيًّۭا ﴿٢٧﴾ يَـٰٓأُخْتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍۢ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّۭا ﴿٢٨﴾ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا۟ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيًّۭا ﴿٢٩﴾.

إذًا فَسَيَتَكَلَّمُ عِيسَى وَهُوَ طِفْلٌ حَدِيثُ الولاَدَةِ، تَحْمِلُهُ أُمُّهُ؛ فَانْظُر مَاذَا سَيَقُولُ:

قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّۭا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّۭا ﴿٣١﴾ وَبَرًّۢا بِوَ‌ٰلِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًۭا شَقِيًّۭا ﴿٣٢﴾ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّۭا ﴿٣٣﴾“.

وَالسُؤَالُ الأَوَّلُ هُنَا هُوَ: هَلْ كَانَ عِيسَى حُرًّا فِيمَا سَيَفْعَلُهُ مُسْتَقْبَلاً؟!

وَالسُؤَال الثَانِى هُنَا هُوَ: إذَا مَا كَانَ عِيسَى حُرًّا فِيمَا سَيَفْعَلُهُ مُسْتَقْبَلاً، أفَلَمْ يَكُن مُتَاحًا لَهُ أنْ يَنْقُضَ أىّ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ عِنْدَ مَوْلِدِهِ، كَالبِرِّ بِالوَالِدَةِ، أوْ المُحَافَظَةِ عَلَى الصَلاَةِ، أوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ الشِرْكِ نَفْسَهُ؟!

إذًا هُنَا مَسْأَلَتَان؛ أوَّلُهُمَا، مَسْألَةُ عِلْمِ اللهِ تِعَالَى بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ عِيسَى فِى المُسْتَقْبَلِ. وَالثَانِيَةُ، مَسْألَةُ عِلْمِ عِيسَى بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ نَفْسِهِ فِى المُسْتَقْبَلِ. وَمَا كَانَ لَهُ أنْ يَعْرِفَ مِنْهَا شَيئًا لَوْلاَ أنْ أخْبَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ يَعْلَمُ، وَيُعَلِّمُ بِمَا سَيَكُونُ مِن عِبَادِهِ مُسْتَقْبَلاً.

5/4/29 ـ عِلْمُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ عَلَّمَ يُوسُفَ تَأوِيِلِ الأَحَادِيِثِ فَقَالَ:

وَكَذَ‌ٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ…﴿٦﴾ يُوسُف.

..وَكَذَ‌ٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ…﴿٢١﴾ يُوسُف.

وَقَالَ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلاَم:

۞ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ…﴿١٠١﴾ يُوسُف.

وَيَقُولُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ يُوسُف عِنْدَمَا قَصَّ عَلَي أبيهِ رُؤيَاهُ:

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًۭا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَـٰجِدِينَ ﴿٤﴾ قَالَ يَـٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لِلْإِنسَـٰنِ عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ ﴿٥﴾ يوسف.

فَيُوسُف عَلِمَ مِنَ الرُؤيَا المَقْصُودُ مِنْهَا، وَكَذَا عَلِمَهَا أبُوهُ يَعْقُوبُ، وَلِذَا طَلَبَ مِنْهُ ألاَّ يَقُصُّ رُؤيَاهُ عَلَى إخْوَتِهِ. وَوَاضِحٌ أنَّ الرُؤْيَا فِيهَا عَمَلُ غَيْرِهِ، وَهُم إخْوَتِهِ، وَأبَوَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ مُسْتَقْبَلاً. وَهُوَ مَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِى نِهَايَةِ السُورَةِ:

فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُوا۟ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ ﴿٩٩﴾ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّوا۟ لَهُۥ سُجَّدًۭا ۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَـٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّۭا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِىٓ إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌۭ لِّمَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾ يُوسُف.

أَضِف مَا جَاءَ هُنَا إلَى مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ عَن قُدْرَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا سَيَفْعَلُهُ صَاحِبُهُ فِى السِجْنِ مِن سِقَايَةِ رَبَّهُ الخَمْرَ، تَعْرِفُ البَعْضَ مِن إحَاطَةِ اللهِ بأعْمَالِ العِبَادِ عِلْمًا، مَاضِيهَا، وَحَاضِرُهَا، وَمُسْتَقْبَلُهَا.

5/5/30 ـ عِلْمُ عَبْدُ اللهِ الصَالِحُ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:

يَقُولُ تَعَالَى عَن مُوسَى وَفَتَاهُ:

فَوَجَدَا عَبْدًۭا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَـٰهُ رَحْمَةًۭ مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًۭا ﴿٦٥﴾ الكهف.

ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى نَاقِلاً تَبْريرَ العَبْدِ الصَالِحِ لِمَا فَعَلَهُ مِن قَتْلِهِ لِلغُلاَمِ، وَإقَامَتِهِ لِلجِدَار:

وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰنًۭا وَكُفْرًۭا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًۭا مِّنْهُ زَكَوٰةًۭ وَأَقْرَبَ رُحْمًۭا ﴿٨١﴾ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٌۭ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحًۭا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةًۭ مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَ‌ٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًۭا ﴿٨٢﴾ الكهف.

وَلنُرَكِّزَ عَلَى الأتِى:

فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًۭا مِّنْهُ زَكَوٰةًۭ وَأَقْرَبَ رُحْمًۭا“، ” وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى“.

وَالسُؤَالُ لِلشَحْرُورِ وَأمْثَالِهِ هُوَ:

هَلْ كَانَ العَبْدُ الصَالِحُ عَلَى يَقِينٍ مِن أنَّ الغُلاَمَ سَيَظَلُّ عَلَى طُغْيَانِهِ وَكُفْرِهِ أمْ لاَ؟ وَلاَ يَسَعُهُم إلاَّ الإجَابَةَ بِالإِيجَابِ!!!

وَإنَّمَا كَانَ عَدَمُ التَيَقُّنِ مُنْصَبٌّ عَلَى مَسْألَةِ إرْهَاقِ الغُلاَمِ لأبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا.

فَنَقُولُ لِلمُفْتَئِتِ عَلَى اللهِ:

ألاَ تَرَى أنَّ العِلْمَ بِاسْتِمْرَارِ الغُلاَمِ عَلَى طُغْيَانِهِ وَكُفْرِهِ مُسْتَقْبَلاً هُوَ مِن العِلْمِ بِأَعْمَالِ العِبَادِ مُسْتَقْبَلاً؟!

وَالسُؤَالُ الثَانِى لِلشَحْرُورِ وَأمْثَالِهِ هُوَ:

هَل اسْتَخْرَجَ الغُلاَمَان كَنْزَهُمَا مِن الجِدَارِ مُسْتَقْبَلاً أم لاَ؟ فَإِذَا كَانَا قَدْ اسْتَخْرَجَاهُ فَهَل كَانَ العَبْدُ الصَالِحُ وَمُوسَى يَعْلَمَان بِمَا سَيَقَعُ مِنَ الغُلاَمَينِ فِى المُسْتَقْبَلِ فِى هَذِهِ الجُزْئِيَّةِ أم لاَ (وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا)؟!!

إنَّ شَحْرُورَ وَأَشْبَاهَهُ مِمَّن يَدَّعُونَ أنَّ القُرْءَانَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُم لاَ يَسَعَهُم إلاَّ الإِذْعَانَ لِهَذِهِ الأَيَاتِ، الدَالَّةِ عَلَى:

1 ـ أنَّ بَعْضَ المَخْلُوقِينَ عَلِمُوا بِبَعْضِ مَا سَيَحْدُثُ مِن غَيْرِهِم مِن المَخْلُوقِين مُسْتَقْبَلاً، وَمَا كَانَ لَهُم أنْ يَعْلَمُوا بِشَيْءٍ مِمَّا عَلِمُوهُ لَوْلاَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أخْبَرَهُم بِهِ.

2 ـ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أخْبَرَهُم بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ المَخْلُوقِيِنَ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ.

فَكَيْفَ أخْبَرَهُم اللهُ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ المَخْلُوقِيِنَ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ العِبَادِ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ؟!!

3 ـ وَالدَالَّةُ أيضًا عَلَى عَدَمِ رُسُوخِ أقْدَامِ هَؤُلاَءِ فِى العِلْمِ، وَإِنَّمَا هُم مِن أدعِيَائِهِ، وَيَالَيتَهُم يُعطُوا لأَنْفُسِهِم فُسْحَةً مِن الوَقْتِ لِيَتَعَلَّمُوا فِيهَا بَدَلاً مِن الإثْقَالِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى الأَقَلِّ لِيَقُومُوا بِتَصْحِيحِ مَا خَطَتْهُ أيمَانُهُم وَأَضَلُّوا بِهِ النَّاسَ، وَحَادُّوا اللهَ بِهِ.

وَأَكْتَفِى بِمَا أورَدْتُهُ لِمَا فِيهِ مِن التَوْضِيحٍ لِمَن أرَادَ العِلْمَ، أوْ التَوْبَةَ، وَعَزَائِى أنَّ المُؤْمِنَ عَلَى عِلاَقَةٍ جَيِّدَةٍ بِكِتَابِ رَبِّهِ، وَمِن ثَمَّ فَسَيَصِلُ إلَى بَقِيِّةِ الأَيَاتِ بِنَفْسِهِ.

أيْضًا فَسَيَفْهَمُ المُؤْمِنُ الكَثِيرَ مِنَ الأَيَاتِ الَّتِى قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَفْهَمُ مِنْهَا أنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَحْدُثُ مِنَ العِبَادِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِرَسُولَيْهِ مُوسَى وَهَارُونَ:

ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ﴿٤٣﴾ فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًۭا لَّيِّنًۭا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴿٤٤﴾ طه.

فَالَّذِى لَمْ يَدْرُسُ الكِتَابَ وَيَعْلَمُ مَا سُقْنَا بَعْضًا مِنْهُ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ سَيَظُنُّ أنَّ اللهَ يَجْهَلُ مَا سَيَكُونُ مِنْ أمْرِ فِرْعَوْنَ. أمَّا مَنْ دَرَسَ الكِتَابَ وَيَعْلَمُ مَا سُقْنَا بَعْضًا مِنْهُ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ فَسَيَفْهَمُ أنَّ اللهَ يَقُومُ بِتَعْلِيِمِ رُسُلِهِ، والمُؤْمِنِينَ كَيْفَ تَكُونُ الدَعْوَةَ لِلطُغَاةِ مَهْمَا كَانَ إجْرَامُهُم، وَإلاَّ فَإِنَّ اللهَ قَدْ قَالَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقْتَ أنْ كَانَ مُوسَى وَلِيدًا:

..يَأْخُذْهُ عَدُوٌّۭ لِّى وَعَدُوٌّۭ لَّهُۥ ۚ…﴿٣٩﴾ طه.

وَعَلَى نَفْسِ الوَتِيْرَةِ تُفْهَمُ الأيَاتُ.

بَقِىَ أن نُنَاقِشَ شُبُهَاتِ القَوْمِ.

الجُزْءُ الثَانِى: الرَدُّ عَلَى الشُبُهَاتِ

الشُبْهَةُ الأُولَى: العِلْمُ يَقْتَضِى الجَبْر، والجَهْلُ سَبيلُ الحُرِّيَةِ وَالعَدْلِ:

أكْثَرَ المُعْتَرِضُونَ مِنَ الكَلاَمِ عَن العَدْلِ، وَأنَّهُ لَوْ كَانَ اللهُ تَعَالَى يَعْلَمُ بِأَعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، لَكَانَ هَذَا الوُجُودُ هُوَ مُجَرَّدَ تَمْثِيلِيَّةٍ، وَلَمَا كَانَ لأَحَدٍ الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِ، وَلَذَهَبَ الاخْتِيَارُ فِى خَبَرِ كَانَ. لَمْ يَرْضَ هَؤلاَءِ إلاَّ بِأَن يَكُونَ اللهُ جَاهِلاً (وَحَاشَاهُ) بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ العِبَادِ مُسْتَقْبَلاً لِيَتَحَقَّقَ العَدْلَ بِنَظَرِهِم. انْظُر لِقَوْلِ الشَحْرُور:

“لنناقش أنه لو كان يدخل في علم الله منذ الأزل ماذا سيفعل زيد في حياته الواعية وما هي الخيارات التي سيختارها زيد منذ أن يصبح قادرا على الاختيار إلى أن يموت. فالسؤال لماذا تركه إذا كان يعلم ذلك؟ هنا من أجل تبرير هذا الأمر ندخل في اللف والدوران فنقول إن الله علم منذ الأزل أن أبا لهب سيكون كافرا، وأن أبا بكر الصديق سيكون مؤمنا. ثم نقول إن أبا لهب اختار لنفسه الكفر وأبو بكر اختار لنفسه الإيمان. إن هذا الطرح لا يترك للخيار الإنساني الواعي معنى، وإنما يجعله ضربا من الكوميديا الإلهية مهما حاولنا تبرير ذلك”.

وَوَاللهِ إِنَّهُ كَلاَمٌ لاَ يُسَاوى حَتَّى قِيمَةِ الحِبْرِ الَّذِى خُطَّ بِهِ، وَالأَهَمُّ أنَّهُ لاَ يَسْتَنِدُ إلَى ءَايَةٍ وَاحِدَةٍ مِن كِتَابِ اللهِ، فَضْلاً عَنْ جَهْلِهِ بِأَبِى لَهَبٍ، وَظَنِّهِ الخَائِبِ بَأَنَّهُ الشَّخْصِيَّةُ التَارِيِخِيَّةُ الهَزَلِيَّةُ!!

وَلِعَلَّ مَا جَاءَ بِالمَحَاورِ الخَمْس السَابِقَةِ كَانَ فِيهِ أبْلَغُ الرَدِّ، مِن خِلاَلِ مَا اسْتَعْرَضْنَاهُ مِن عَشَرَاتِ الأَيَاتِ. إلاَّ أنَّنَا لَنْ نَعْتَمِدَ عَلَى مَا سَبَقَ وَكَفَى، وَإنَّمَا سَنُبَيِّنُ هُنَا حَقِيقَةُ العِلاَقَةِ بَيْنَ عِلْمِ اللهِ المُسْبَقِ، وَبَيْنَ اخْتِيَارِ العَبْدِ.

6/1/31 ـ العِلْمُ المُسْتَقْبَلِىّ بِأعْمَالِ العِبَادِ هُوَ عِلْمٌ بِالاخْتِيَاراَتِ:

فَنَحْنُ بَعْدَ مَا طَالَعْنَاهُ فِى المَحَاورِ الخَمْسَةِ السَابِقَةِ تَبَيَّنَ لَنَا بِوُضُوحٍ فَسَادَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِن أَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَعْلَمُ أَعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، وَتَبَيَّنَ أنَّ عِلْمَ الله تَعَالَى مُحِيطٌ بِالكَوْنِ؛ مَا كَانَ، وَمَا هُوَ جَارٍ، وَمَا سَيَكُونُ بِمَا فِى ذَلِكَ مَا سَيَحْدُثُ مُسْتَقْبَلاً مِن أَعْمَالُِ العِبَادِ، وَأَيْضًا؛ مَا لَمْ يَكُن كَيْفَ كَانَ سَيَكُونُ لَوْ كَانَ. وَلَكِنَّنَا نُلاَحِظُ هُنَا أنَّ هُنَاكَ نِقَاطًا جَوْهَرِيَّةً أوْقَعَت الشحْرُورَ وَأَمْثَالَهُ فِى هَذِهِ الوَرْطَةِ غَيْرُ السَهْلَةِ، مِنْهَا:

أنَّ شَحْرُورَ وَأمْثَالَهُ لاَ يَقُومُونَ بِتَرْتِيلِ القُرْءَانِ، وَبِالتَالِى فَهُم كَمَن يَتْلُوا: يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْرَبُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ، ثُمَ يَسْكُت، وَلِذَا غَابَت عَنْهُ كَوْكَبَةٌ مِن الأَيَاتِ المُنِيِرَةِ لِهَذِهِ الظُلْمَةِ الَّتِى طَرَحَهَا وَالَّتِى يَسْبَحُ فِيهَا، وَيَدْعُوا غَيْرَهُ لَهَا.

كَذَلِكَ فَقَدْ خَلَطَ المِسْكِينُ بَيْنَ العِلْمِ وَبَيْنَ الاخْتِيَارِ، فَبَدلاً مِن أنْ يَفْهَمَ أنَّ اللهَ تَعَالَى عَالمٌ بالاخْتِيَارَاتِ الَّتِى سَيخْتَارُهَا النَّاسُ حِينَ يُوجَدُوا أحْرَارًا، سَمَّى ذَلِكَ بالَّفِ والدَوَرَانِ. وَبَدَلاً مِن أنْ يَفْهَمَ أنَّ عِلْمَ اللهِ لَن يَصلُحَ وَحْدَهُ عِنْدَ النَّاس كَمِعْيَارٍ لِلتَمْييز، والحِسَابِ، وَلِذَا لَزَمَ الوَاقِع، وَبِالتَالِى لَزِمَ أيضًا التَطَابُقَ بَينَ العِلمِ وَبَيْنَ الوَاقع، رَاحَ يُسَمِّىَ ذَلِكَ بِالكُومِيديَا الإلَهِيَّةِ. وَلم يُقْنِعَهُ لِتَحْقِيقَ العَدْلِ وتَحْقِيقَ حُرِيَّةِ الاخْتِيَار إلاَّ أن يَكُونَ اللهُ (وَحَاشَاهُ) جَاهِلاً بِمَا سَيَحْدُثُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ. انْظُرُوا لِقَوْلِهِ:

“لو كان يدخل في علم الله منذ الأزل ماذا سيفعل زيد في حياته الواعية وما هي الخيارات التي سيختارها زيد منذ أن يصبح قادرا على الاختيار إلى أن يموت. فالسؤال لماذا تركه إذا كان يعلم ذلك؟”.

فَوَاللهِ إنِّى لأَتَعَجَّبُ أن يَنْسِبَ نَفْسَهُ لِلتَحْقِيق وَالدِرَاسَةِ، ثُمَّ يَكُونَ هَذَا هُوَ مَحضُ سُؤَالِهِ!!

تَرَكَهُ يَا فَقِيه وَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ لأَنَّهُ تَعَالَى تَرَكَ لِلّنَاس حُرّيَةِ الاخْتِيَارِ فِى هَذِهِ الدُنيَا، وَلاَ تَقُومُ الحُجَّةُ عَلَيْهِم إلاَّ بِاخْتِيَارَاتِهِم، وَلاَ يُقِرُّونَ بِالعِلمِ المُجَرَّدِ. بَل إنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أنَّهُ سَيَبْتَلِىَ النَّاسَ لِيَعْلَمَ مَوَاقِفَهُم، حَتَّى لاَ يَظُنُّ مَن تَبَحَّرَ فِى العِلْمِ، وتَيَقَّنَ مِن أنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكَوْنِهِ، حَاضِرًا، وَمَاضِيًا، وَمُسْتَقْبَلاً، أنَّ الأَمْرَ مُنْتَهٍ، وَهُوَ مَا سَتُوَضِّحَهُ النُقْطَةُ التَالِيَة.

وَلَوْ رَاجَعْنَا مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ مِنَ العِلْمِ لَوَجَدْنَا أنَّهُ لاَ يَتَعَارَضُ مَعَ حُرْيَّةِ الاخْتِيَار فِى شَيْءٍ. وَلْنَضْرِبَ مَثَلاً:

لِنَفْتَرضَ أَنَّ “س” أَعْلَمَ “ص” بأَنَّهُ سَيَفْعَلُ فِعْلاً مَا، ثُمَّ ذَهَبَ وَفَعَلَهُ، فَهَلْ يُقَالُ: إِنَّ عِلْمَ “ص” بِمَا سَيَفْعَلُهُ “س” قَبْلَ حُدُوثِهِ جَعَلَ “س” مُضْطَّرٌ لِفِعْلِ مَا أخْبَرَ بِهِ “ص”؟!!!

أيْضًا لَوْ قُلْنَا أنَّ الأبَوَيْنِ يَعْلَمَانِ مَا سَيَفْعَلَهُ إبْنَهُمَا فُلاَن فِى مَوْقِفٍ مَا، فَهَل يَعْنِى ذَلِكَ أنَّ الإبنَ مُرْغَمٌ عَلَى العَمَلِ، أم أنَّهُمَا كَانَا يَعْلَمَان بِاخْتِيَارِهِ؟

وَلَوْ قُلْنَا (وَللهِ المَثَلُ الأعْلَى) أنَّ الإنْسَانَ نَجَحَ فِى السَفَرِ عَبْرَ الزَّمَنِ فَاسْتَطَاعَ أنْ يُشَاهِدَ وَيُدْرِكَ مَا سَيَحْدُثُ مِن أعْمَالِ النَّاسِ فَهَل يَعْنِى ذَلِكَ عَدَمَ انْفِكَاكِهِم مِن فِعْلِ اخْتِيَارَاتِهِم؟

6/2/32 ـ هَل يَقُومُ اللهُ تَعَالَى بِتَعْطِيلِ عِلْمِهِ لِيَرْضَى النَّاس:

فَنَحْنُ مِن خِلاَلِ مَا اسْتَعْرَضْنَاهُ فِى المَحَاوِرِ الخَمْسِ عَرِفْنَا أنَّ عِلْمَ اللهِ مُحِيطٌ بِكِلِّ شَيْءٍ:

“..لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾.

فَهَل يَرَى المُفْتَئِتُ، عَلَى اللهِ وعِلْمِهِ، أنْ يَقُومَ اللهُ تَعَالَى، بِتَعْطِيلِ عِلْمِهِ الأزَلِىِّ، بِمَا سَيَحْدُثُ مِن عِبَادِهِ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، وَيَصِيرُ مِثْلَ خَلْقِهِ لاَ يَعْلَمُ، اللهُمَّ إلاَ العِلْمُ بِالاحْتِمَالاَتِ مِثْلِنَا، حَتَّى يَرْضَى هُوَ وأشْبَاهِهِ عَلَى اللهِ؟!

لَقَدْ أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى كِتَابَهُ نُورًا، يَهْتَدِى بِهِ المُؤمِنُونَ، وَيُكَوِّنُونَ قَاعِدَةَ مَعْلُومَاتِهِم مِنْهُ: “فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا..”. وَكَانَ الأَولَى لِشَحْرُورٍ وَأشْبَاهِهِ أنْ يَتَوَقَّفُوا عِنْدَ مَا جَاءَ بِكِتَابِ اللهِ مِن نُورٍ، بَدَلاً مِن تَوظِيفِ الأيَاتِ لِسَقِيِمِ أفْكَارهِم، وَمَرِيِضِ مُعْتَقَدَاتِهِم، وَإِلاَّ فَلْيُرِنَا رَدَّهُ عَلَى كَوْكَبَةِ الأَيَاتِ الَّتِى سُقْنَاهَا، وَالَّتِى لَم يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهَا عِنْدَمَا زَخْرَفَ لِلنَّاسِ أنَّ اللهَ تَعَالَى جَاهِلٌ بِمَا سَيَفْعَلُهُ النَّاسُ مُسْتَقْبَلاً عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ.

ألَم يَجِدُ هَؤلاَءِ إلاَّ اللهَ تَعَالَى لِيَخُوضُوا فِيهِ؟

وَيَالَيْتَ كَانَ هُنَاكَ ذَرَّةَ عِلِمٍ تَسْتُرُ مَا هَرِفوا بِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَإِنَّمَا غَفَلَ هَؤُلاَءِ الأَسَاتِذَةِ عَن قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًۭى وَلَا كِتَـٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ ﴿٨﴾ ثَانِىَ عِطْفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ لَهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ ۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿٩﴾ ذَ‌ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٠﴾ الحج.

إذْ أنَّهُ قَدْ تَوَفَّرَ فِى طَرْحِهِم السَابِق:

1 ـ إنَّهُ جِدَالٌ فِى اللهِ.

2 ـ إنَّهُ جِدَالٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدَىً (وَهُوَ مَا سَنَتَأكَّدُ مِنْهُ).

3 ـ إنَّهُ جِدَالٌ بِغَيرِ أىّ دِرَاسَةٍ مِن الكِتَابِ المُنِير.

4 ـ إنَّ طَرْحَهُم فِيهِ ثَنى العِطْفِ، وَفِيهِ الإضْلاَل عَن سَبِيلِ اللهِ.

وَلِذَا فَإِنَّنِى هُنَا أنْصَحُهُمَا بِالتَوْبَةِ، وَأُحَذِّرُهُمَا (وَمَن قَدْ يَحْذُو حِذْوَهُمَا) مِن التَمَادِى.

6/3/33 ـ تَخَبُط القَوْمِ فِيمَا لَمْ يَحْسَبُوا لَهُ حِسَابًا:

أيْضًا فَمِن خِلاَلِ مَا اسْتَعْرَضْنَاهُ فِى المَحَاوِرِ الخَمْسِ وَجَدْنَا أنَّ اللهَ تَعَالَى فِعْلاً عَلَى عِلْمٍ وَإحَاطَةٍ بِأعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ ـ طِبْقًا لِكَلاَمِ الشَحْرُورِ وَفَرِيقِهِ ـ يَجَعْلُ مِنَ هَذِهِ الحَقِيقَةِ كُومِيدِيَا، وَنَوْعٌ مِن أنْوَاعِ العَبَثِ. فَإذَا كَانَ شَحْرُورُ قَدْ قَالَ مَا قَالَهُ وَهُوَ يُسَوِّقُ لِرؤيَتِهِ وَهُوَ مُغَيَّبٌ عَن حَشْدِ الأَيَاتِ الَّتِى سُقْنَا بَعْضًا مِنْهَا، وَالَّتِى يَثْبُتُ بِهَا العِلْمُ المُسْبَقُ، فَقَدْ تَحَوَّلَت الرُؤيَةُ المَذْكُورَةُ إلَى نَوْعٍ مِن الانْتِقَاصِ للهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ. وَخُذْ عِنْدَكَ بَعْضَ ذَلِكَ. يَقُولُ تَعَالَى:

وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿١١٦﴾ الأنعام.

فَلِمَاذَا إذًا خَلَقَهُم اللهُ وهُم كَذَلِكَ؟ بَل إنَّ الأمْرَ أبْعَدَ مِن هَذَا؛ إذ أنَّ اللهَ تَعَالَى أرَادَ أنْ يَبْتَلِيهِم وَيُحَمِّلَهُم الأمَانَةَ:

إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا…﴿٧٢﴾ الأحزاب.

بِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى تَأتِى تَكْمِلَةُ الأَيَةِ لِيَقُولَ اللهُ فِيهَا عَنِ الإنْسَانِ:

..وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا ﴿٧٢﴾“.

وَالسُؤَالُ هُنَا لِشَحْرُورِ وَأَمْثَالِهِ هُوَ:

ألَم يَتَبَيَّنَ للهِ تَعَالَى أنَّ الإنْسَانَ فِى مُجْمَلِهِ ظَلُومٌ وَجَهُولٌ مِن قَبْلِ أنْ يَحْمِلَ الأَمَانَةَ؟

فَإذَا كَانَت الإجَابَةُ بِالإيجَابِ فَنَقُولُ: فَهَل تَجِدُ أى كُومِيديَا هُنَا؟

وَهَل هُنَاكَ ثَمَّةَ فَارِقٍ عِنْدَكَ بَيْنَ العِلْمِ المُسْبَقِ بِأَنَّ الإنْسَانَ ظَلُومٌ وَجَهُولٌ مِن قَبْلِ الابْتِلاَءِ، وَبَيْنَ العِلْمِ المُسْبَقِ بِعَمَلِ الإنْسَانَ فِى الدُنْيَا، مِن النَاحِيَةِ الكُومِيدِيَّةِ الَّتِى زَعَمْتَهَا لِهَذَا العِلْمِ الأَخِيرِ؟ . .

ولاَ أُرِيدُ أنْ أُطِيلَ النَفَسَ فِى اسْتِعْرَاضِ عَشَرَاتِ المَوَاضِيعِ المَشَابِهَةِ لِمَا أُغْلِقَ فَهْمُهَا عَلى شَحْرُورِ وَأشْبَاهِهِ، وَلَكِن لِنُوَضِّحَ لَهُ:

6/4/34 ـ العِلْمُ المُسْتَقْبَلِىّ بِأعْمَالِ العِبَادِ وَالعِلْمُ الوَاقِعِىُّ:

بِرَغْمِ كُلِّ مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ مِنْ حَقَائِقٍ عَنْ عِلْمِ اللهِ وقِيَامِهِ بِالقِسْطِ؛ فَلَنْ يُفْلِحَ مَع النَّاسِ أَنْ يَقُوْمَ اللهُ تَعَالَى بِتَمْيِيزِهِم بُنَاءً عَلَى عِلْمِهِ إلَى فَرِيقَيْنِ، فَيَقُولُ لِلْفَرِيقِ الأَوَّلِ: أَنْتُم ــ بِعِلْمِي ــ أَصْحَابُ الجَنَّةِ، لَوْ أَهْبَطْتُُكُم إلَى الدُنْيَا لِتُمْتَحَنُوا وَتُبْتَلُوا فِيهَا فَسَتَعْمَلُونَ الصَالِحَاتِ ــ بِعِلْمِي ــ، وَيَقُولُ لِلْفَرِيقِ الأَخَرَ: أَنْتُم أَصْحَابُ النَّار ادْخُلُوهَا بِمَا عَلِمْتَهُ مِنْكُم، فَلَوْ أَهْبَطْتُكُم لِلابْتِلاَءِ وَالاِمْتِحَانِ فِي الدُنْيَا لَفَعَلْتُم الشُرُورَ وَالأَثَام!

وَمِن ثَمَّ فَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ لِلتَمْيِيزِ بَيْنَ النَّاسِ وُجُودًا حَقِيقِيًّا يُوجَدُوا فِيهِ، وَيَتَحَقَّقُ فِيهِ عِلْمُ اللهِ “عِنْدَ النَّاسِ”، أَوْ لِيَتَحَوَّلَ فِيهِ عِلمُ اللهِ “الكَائِن بِدُونِ وَاقِعٍ” إلَى عِلْمُ اللهِ الكَائِنُ بِالوَاقِعِ، وَيَتَطَابَقُ الوَاقِعُ مَعَ عِلْمِهِ، وَكَأنَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ لِلنَّاسِ بِهَذَا الوُجُودِ: أَنْتُم لَنْ تَرْضَوْا (دَاخِلكُم) بِعِلمِيَ الأَزَلِيّ؛ فَأرَدْتُ أَنْ يَكُونَ عِلْمِي بِشَهَادَتِكُم أَنْتُم عَلَى أنْفُسِكُم. أوْ بِمَعْنًى ءَاخَرَ: أرَادَ سُبْحَانَهُ أنْ يَكُونَ عِلْمُهُ بِمَنْطِقِ النَّاسِ، وَحِسَابَاتِهِم البَشَرِيَّةِ، وَهُوَ كَقَولِهِ تَعَالَي: “ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”. وَعَلَى ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌۭ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌۭ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿١٤٠﴾ ءال عمران .

فَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: “وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ” يَعْنِي: وَلِيَعْلَمَ اللهُ (عِنْدَكُم وَبِتَسْلِيمٍ مِنْكُم) بِالوَقَائِعِ وَالأَحْدَاثِ الحَاصِلَةِ مِنْكُم. وَكَذَلِكَ يَتنزَّلُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُۥٓ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ…﴿٩٤﴾ المائدة.

وَيَكُونُ المَعْنَى هُوَ: إنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْتَلِي المُؤْمِنِينَ بِشَيءٍ حَرَّمَهُ عَلَيْهِم لِيَعْلَمَ (عِنْدَهُم وَبِتَسْلِيمٍ مِنْهُم) بِالوَقَائِعِ مَنْ يَخَافَهُ بِالغَيْبِ. إذْ النَّاسُ لاَ تُصَدِّقُ إلاَّ بِمَا عَايَشَتْهُ، وَخَبِرَتْهُ، وَوَقَعَ تَحْتَ حَوَاسِّهَا (15).

إذًا فَاللهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أنَّ “س” مِنَ النَّاسِ سَيَكُونُ مُؤْمِنًا، وَأَنَّ “ص” مِنَ النَّاسِ سَيَكُونُ كَافِرًا، دُونَ أنْ يَكُونَ لأَىٍّ مِنْهُمَا وُجُودٌ فِى الدُنْيَا بَعْد، ثُمَّ تَتَتَالَى الأَحْدَاثُ، وَيَأتِى “س”، و: “ص” إلىَ الدُنْيَا، ويُبْتَلَىَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالخَيْرِ وَالشَرِّ لِيَتَمَحَّصَا، فَيَكُونُ “س” كَمَا عَلِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، صالِحًا، مُؤْمِنًا، وَيَكُونُ “ص” كَمَا عَلِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَاسِدًا، كَافِرًا، ويَصْدُقُ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى الَّذِى أحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.

6/5/35 ـ إذًا فَالعِلْمُ عِلْمَانٍ:

فَخُلاَصَةُ مَا طَالَعْنَاهُ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ، وَالأَيَاتِ الَّتِى دَرَسْنَاهَا هُوَ أَنَّ عِلْمَ اللهِ مِنْهُ مَا هُوَ مُجَرَّدٌ عَنِ الوَاقِعِ، وَبِالتَالِى فَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا سَيَكُونُ، وَمَا لَنْ يَكُونَ، سَوَاءٌ حَدَثَ فِيمَا بَعْد أو لَم يَحْدُث عَلَى الإطْلاَقِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ مَرْتَبِطٌ بِالوَاقِعِ أثْنَاءَ وَبَعْدَ حُدُوثِهِ، لِمَا أرَادَ اللهُ لَهُ أنْ يَحْدُث. وَمِنَ البَدِيهِىّ أنَّ يَتَطَابَقَ العِلْمَانُ. وَلِتَقْرِيبِ المَسْألَةِ إلَى الذِهْنِ (مَعَ الفَارِقِ) فَنُشَبِّهُ ذَلِكَ بَالعِلْمِ النَّظَرِىِّ، والعِلْمِ العَمَلِىِّ؛ فَالأَوَّلُ مَبْنِىٌّ عَلَى عِلْمٍ ثَابِتٍ، وَيُصَدِّقُهُ الثَانِى عَمَلِيًّا، وَذَلِكَ كَالتَجْرُبَةِ الَّتِى تُجْرَى كَتَصْدِيقٍ لِلثَوَابِتِ العِلْمِيَّةِ. وَلَم يَقُل أحدٌ أبْدًا بِأَنَّ التَجْرُبَةَ العِلْمِيَّةِ هِى تَمْثِيليةٌ، أو نَوْعٌ مِن الكُومِيديَا. وَهَذِهِ الحَقِيقَةِ تُفْهَمُ مِن اسْتِقْرَاءِ الأَيَاتِ مُجْتَمِعَةً.

6/6/36 ـ وَالعِلْمُ يَعْنِى العِلْم لاَ الإجْبَار:

إنَّ المُخَالِفَ يَقُولُ: هَل يُمْكِنُ أنْ يَحْدُثَ وَاقِعًا، حَدَثٌ مَا، مَهْمَا دَقَّ أوْ لَطُف، وَيَكُونُ مُخَالِفًا لِعِلْمِ اللهِ الأزَلِىّ؟ وَبِالتَالِى سَيَضْطَّرُ أيًّا مَن كَانَ مِنَ المُؤمِنِينَ أَنْ يُجِيبَ بِالنَفِىِ، وَهُنَا يَقُولُ المُخَالِفُ ظَانًّا أنَّهُ انْتَصَرَ لِمَذْهَبِهِ: إذًا فَنَحْنُ غَيْرُ أحْرَارٍ فِى أعْمَالِنَا. فَنَقُولُ لَهُ: قَدْ قَلَبْتَ المَسْألَةَ، وَلَيْسَ مِن مَصْلَحَتِكَ كَمَسْؤُول يَوْمَ القِيَامَةِ أنْ تَقُومَ بِهَذَا القَلْبِ، وَدَعَنِى أسْألُكَ أنَا:

لَوْ كَانَ هُنَاكَ عِلْمٌ بِالاِخْتِيَارِ بِطَرِيقَةٍ مَا، فَهَل يُسَمَّى عِلْمًا لَوْ لَم تَثْبُتَ نَتَائِجَهُ، وَتَتَطَابَقُ مَعَ الوَاقِعِ؟

وَلاَ يَسَعُ المُخَالِفَ إلاَّ القَوْلَ بِالتَطَابُقِ.

فَنَقُولُ لَهُ فَهَل تَغَيَّرَت صِفَةُ الاخْتِيَار؟ أم أنَّهُ لاَ يَزَالَ عِلْمًا بِالاِخْتِيَارِ؟

وَلاَ يَسَعُ المُخَالِفَ إلاَّ القَوْلَ بِبَقَاءِ الاخْتِيَار عَلَى مُسَمَّاهُ. فَنَقُولُ لَهُ بَقِىَ أنْ تُسَلِّمَ بِمَسْألَةِ العِلْمِ المُسْبَقِ، وَقَدْ أوْرَدَنا لَكَ مِنهَا العَشَرَاتِ، فَرَاجِعَهَا إن شِئتَ الاسْتِقَامَةِ.

إنَّ الَّذى يَنْوِى الزِنَا مَثَلاً، قَدْ انْعَقَدَتَ النِيَّةُ عَنْدَهُ، وصَادَفَ الشَرِيكَةَ الَّتِى انْعَقَدَتَ نِيَّتَهَا أيضًا، وَتَمَّ تَحْدِيدُ المَكَانِ والزَّمَانِ، ثُمَّ التَقَيَا، وَخَلعَا ثِيَابَهُمَا، ومَارَسَا الزِنَا بِأوْضَاعِهِ المُخْتَلِفَةَ، فَهَل يَقُولُ عَاقِلٌ بِأَنَّ ذَلِكَ حَدَثَ رَغْمًا عَنْهُمَا لأَنَّ اللهَ كَانَ يَعْلَم؟!

وَلَوْ قُلْنَا أنَّ عِصَابَةً مَا قَدْ قَامَت بالتَخْطِيطِ لِسَرِقَةِ بَنْكٍ مَا، فَقَامُوَا بِتَحْدِيدِ البَنْكِ، وَدَرَسُوهُ دِراسَةً مُسْتَفِيضَةً، وَجَهَّزُوا الأفْرَادَ، والسَيَاراتَ، وَالمُعْدَاتَ، وَاخْتاروا اليَوْمَ، والسَاعَة، وَرَسَمُوا الخِطَّةَ بِإحْكَامٍ حَتَّى أنَّهُم نَفَّذُوا خِطَتَهُم بِلاَ أخْطَاءِ، وَنَجَحُوا فِى سَرِقَة وَنَهْبِ البَنكِ، وَقَتْلِ البَعْضِ، دَونَ الوصُولِ إلَيْهِم. فَهَل يُقَالُ إلاَّ مِن مَعْتُوهٍ أنَّ عِلْمَ اللهِ هُوَ مَن أنْتَجَ كُلَّ هَذَا، لأَنَّهُ لاَيُمْكِنُ أنْ يَحْدُثَ شَيئًا بِخِلاَفِ العِلْمِ؟

إنَّ خُلاَصَةُ هَذِهِ النُقْطَةِ أنَّ العِلْمَ بِالاِخْتِيَارَاتِ لاَ يَعْنِى مُصَادَرَاتِهَا، وَإنَّمَا كُلٌّ مَسْؤول عَمَّا يَفْعَلَهُ بِكَامِلِ اخْتِيَارِهِ، بِيَدِهِ كَانَ المَنْعُ، وَبِيَدِهِ كَانَ الفِعْلُ، وَللهِ كَانَ العِلْمُ .

7 ـ الشُبْهَةُ الثانية: عِلْمُ اللهِ احْتِمَالِىّ:

قُلْنَا مِن قِبْل أَنَّ القَدَرَ تَخْطِيطٌ، وَأَنَّ القَدْرَ تَحْدِيدٌ، وَبِالتَالِى فَإنَّ العِلْمَ الشَامِلَ أضْحَى ضَرُورَةً لِكِلَيْهِمَا. وَلَوْ افْتَرَضْنَا أنَّ العِلْمَ احْتِمَالِىٌّ، لَمَا كَانَ هُنَاكَ مَعْنًى وَلاَ لُزُومًا لِلقَدَر والقَدْرِ المُتَرَتِّبَانِ عَلَى جُزْئِيَّةِ أعْمَالِ العِبَادِ. انْظُرُوا لِقَوْلِ الشَحْرُورِ (باخْتِصَارٍ غَيْرُ مُخْلٍ):

“فعلم الله في السلوك الإنساني الواعي يقسم إلى قسمين: 1- علم الله الكامل بكلية الاحتمالات التي يمكن أن يسلكها الإنسان، فأمام كل إنسان على حدة، ملايين الاحتمالات كل يوم، فلا يمكن لأي إنسان أن يقوم بأي عمل علني أو يخفي أي أمر أو يتبنى أية فكرة سرا أو علنا إلاوتصرفه داخل في هذه الاحتمالات وبالتالي فهو داخل في علم الله الكلي، ولا يفاجئ الله به ولا يدخل في كلية احتمالات علمه وهذه هي عين كمال المعرفة. فأبوبكر لم يفاجئ الله بإيمانه وأبو لهب لم يفاجئ الله بكفره، لأن الكفر والإيمان كليهما معا يدخل في علم الله. وفي هذا يصبح الخيار الإنساني الواعي خيارا حرا يستلزم الثواب والعقاب، وتصبح خيارات الإنسان غير مكتوبة عليه سلفا. وإذا قلنا الآن إن الله منذ الأزل علم أن أبا بكر سيؤمن وأن أبا جهل سيكفر فهذا عين نقصان المعرفة وليس كمالها. أي أن علم الله يحمل صفة الاحتمال الواحد. ولو كفر أبو بكر وآمن أبو جهل لكانت هذه مفاجأة كبيرة لله تعالى، علما بأن باب الكفر والإيمان كان مفتوحا أمام الاثنين على حد سواء” (16).

وَلنَقُم بِتَحْلِيلِ هَذِهِ الشُبْهَةِ الزَائِفَةِ:

7/1/37 ـ التَلاَعُب بِالأَلْفَاظِ لَيْسَ شِيمَةِ العُلَمَاءِ فَضْلاً عَن المُتَّقِين:

لَيْسَ مِن مَصْلَحَةِ البَاحِثِ عَنِ الحَقِّ فِى الدَارَينِ أنْ يَتَلاَعَبَ بِالأَلْفَاظِ، لاَ سِيَّمَا وَنَحْنُ نُنَاقِشُ أمْرًا خَطِيرًا مِثْلَ أمْرِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى. وَالأَجْدَرُ أنْ تَكُونَ كُلَّ ألْفَاظِنَا الَّتِى نَتَنَاوَلُ بِهَا المَوْضُوع مُنْضَبِطَةٌ، وَحَقٌّ، لاَ أنْ يَتَحَوَّلَ الأَمْرُ إلَى التَلاَعُبِ بِالأَلْفَاظِ، وَتَزْيِيفِ الحَقِّ. وَلِلأَسَفِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَا حَدَثَ مِن شَحْرُورِ، وَلِذَا سَمَيّتُهُ بِثَنْىِ العِطْفِ، وَلْنُبَيِّنَ بَعْضَ ذَلِكَ؛ إذْ يَقُولُ المَذْكُورُ كَمَا نَقَلْتَهُ أعْلاَهُ:

“فعلم الله في السلوك الإنساني الواعي يقسم إلى قسمين: 1- علم الله الكامل بكلية الاحتمالات التي يمكن أن يسلكها الإنسان”، إلَى أنْ يَقُولَ:

“أي لا يمكن لأي إنسان مهما عمل أن يقوم بعمل ما سرا أو علنا ويفاجئ الله به ولا يدخل في كلية احتمالات علمه وهذه هي عين كمال المعرفة”.

1 ـ فَأَوَّلُ التَلاَعُبِ بِالأَلْفَاظِ هُوَ تَسْمِيَتَهُ مَعْرِفَةَ الاحْتِمَالاَتِ بِالعِلْمِ:

وَلِنُقَرِّبَ المَسْألَةَ لِلأَذْهَانِ: فَلَوْ قُلْنَا أنَّ مُخْتَصَّ النَشْرَةِ الجَوِّيَةِ قَالَ إنَّهُ مِن المُحْتَمَلِ سُقُوطِ أمْطَارٍ غَدًا، فَيَكُونُ بِذَلِكَ عَلَى قَولِ شَحْرُورِ عَالِمٌ بِاحْتِمَالاَتِ الطَقْسِ غَدًا، ثُمَّ لِنَقُل إنَّهُ لَمْ تَسْقُط الأمْطَارُ فِى اليَوْمِ التَالِى، فَيَكُونُ المُخْتَصُّ لَمْ يَتَفَاجَأ، لِعِلْمِهِ بِكُلِّ الاحْتِمَالاَتِ. فَهَلْ تُسَمَّى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الاحْتِمَالاَتِ بِالعِلْمِ، وَيُصَوَّرُ عِلْمُ اللهِ بِأنَّهُ مِثْلَ عِلْمِ النَّاسِ: “مَعْرِفَةٌ لِلاحْتِمَالاَتِ”؟!!

أيْضًا فَيَجِبُ أنْ نُفَرِّقَ بَينَ العِلم وَبَينَ الاحتِمال، فَلَوّ قُلْنَا أنَّ مَا لَدَى اللهِ تَعَالَى هُوَ احْتِمال (كَمَا تُخُرِّصَ بِهِ شَحْرُور)، لَمَا كَانَ عِلْمًا، وَلَوّ قُلنَا حَتّى بِمَعْرِفَةِ كُلِّ الاحتِمَالاَتِ لَمَا كَانَ ـ أيضًا ـ عِلْمًا مِن قَريبٍ أو مِن بَعِيدٍ؛ إذ العِلمُ يَقْتَضى التَميّيزَ الدَقيقَ المُحَدَّدَ. وَمَعْرِفَةُ الاحْتِمَالاَتِ دُون العِلم بالتَحْدِيدِ يَتَعَارضُ أيضًا مَعَ قَولِ اللهِ عَن نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ:

ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَ‌ٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾ الطلاق.

2 ـ أمَّا التَلاَعُب الثَانِى بِالأَلْفَاظِ فَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ العِلْمَ بِكُلِّ الاحْتِمَالاَتِ هُوَ عَيْنُ كَمَالِ المَعْرِفَةِ.

فَلَوْ كَانَ كَلاَمُهُ حَقًّا فَمَاذَا يَكُونُ إذًا العِلْمُ بِمَا سَيَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ لاَ الاحْتِمَالِ؟! هَل سَيَكُونُ عَيْنُ عَيْنُ كَمَالِ كَمَالِ المَعْرِفَة؟

3 ـ أمَّا التَلاَعُب الثَالِثُ بِالأَلْفَاظِ فَهُوَ قَوْلُهُ أنَّهُ لَوْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَىَ بِحَقِيقَةِ الأحْدَاثِ الَّتِى سَتَحْدُث عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ فَهَذَا عَينُ نُقْصَانِ المَعْرفَةِ:

“وإذا قلنا الآن إن الله منذ الأزل علم أن أبا بكر سيؤمن وأن أبا جهل سيكفر فهذا عين نقصان المعرفة وليس كمالها”.

فَهَل يَقُولُ بِذَلِكَ عَاقِلٌ؟!

4 ـ أمَّا التَلاَعُب الرَابِعُ بِالأَلْفَاظِ، وَالَّذِى يَرْقَى لِلتَضْلِيلِ المُتَعَمَّدِ فَهُوَ قَوْلُهُ أنَّ اللهَ (وَحَاشَاهُ) قَدْ يُفَاجَأُ بأحْدَاثٍ مُخَالِفَةً لِمَا عَلِمَهُ حَالَ كَانَ عِلْمُهُ ذُو احْتِمَالٍ وَاحِدٍ (عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ):

“أي أن علم الله يحمل صفة الاحتمال الواحد. ولو كفر أبو بكر وآمن أبو جهل لكانت هذه مفاجأة كبيرة لله تعالى، علما بأن باب الكفر والإيمان كان مفتوحا أمام الاثنين على حد سواء”.

كُلُّ هَذَا الجَهْلِ الشَنِيعِ احْتَوَتْهُ سُطُور الشَحْرُورِ، وَأكْثَرُ مِنْهَا، حَتَّى أَنَّهُ خَلَطَ بَينَ العِلْم، وَبَيْنَ المَعْرفَةِ، وَتَكَلَّمَ عَنْهُمَا وَكَأنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، مَعْ أنَّ المَعْرِفةَ لَيْسَت العِلْم، فَالعِلْمُ أشْمَلُ وَأكْمَلُ، وَلَيْسَ بَعْدَ العِلمِ شَيْءٌ. وَالمَعْرِفَةُ كَالطَريق يَنْتَهِي بالعِلْمِ. وَالإنْسَانُ قَدْ يَعْرِفُ وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ بِحَسَبِ قُدْرَاتِهِ المَمْنُوحَةِ. وَاللهُ تَعَالَي تَنْتَفِي عَنْهُ المَعْرِفَةُ وَلِذَا فَلَيْسَ مِن اسْمَائِهِ “العَارِفُ”؛ وَذَاكَ لأنَّهُ عَلِيمٌ، فَمُنْتَهَى العِلْمُ إلَيْهِ، وَلاَ يَتَنَاسَبُ مَعَ العَلِيم أَنْ يُقَالُ عَنْهُ “العَارِفُ” لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَقْلِيلِ وَالتَدَنِّي، وَحَاشَاهُ تَعَالَي.

وَعِنْدَما يقولُ اللهُ تعالي: وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴿٦﴾ محمد، فَلاَ يَعْنِى ذَلِكَ أنَّهُم يَعْلَمُونَهَا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَهَا فَقَط.

بَل إنَّ شَحْرُورَ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأنَّ صِيَاغَةُ الكَلاَم كَانَت هِىَ الأُخْرَى مَعِيبَةٌ؛ إذ كَيْفَ يُمْكِنُ الجَمعَ بَيْنَ عِلْمِ اللهِ بِشَيءٍ، وَبَيْنَ حُدُوثِ عَكْسِهِ؟

إذ لَوْ صَحَّ العِلمُ لاَنْتَفَى حُدُوثُ العَكْسِ، وَلَوْ حَدَثَ العَكْسُ لاَنْتَفَى العِلمُ، وَلاَ يَمْكِنُ الجَمْع بَينِهِمَا بِحَالٍ.

7/2/38 ـ سَخَافَةُ وَعَبَثِيِّةُ القَوْلِ بِالعِلْمِ الاحْتِمَالِىّ:

إذَا كَانَ كُلُّ إنْسَانٍ (عَلَى قَوْلِ شَحْرُور) لَهُ وَحْدَهُ مَلايِين الاحْتِمَالاَتِ، لِيَخْتَارَ مِنْهَا القَلِيلَ، وَكَانَ النَّاسُ بِالمِلْيَارَاتِ، فَهَذَا يَعْنِى أنَّ اللهَ تَعَالَى (وَحَاشَاه) يَظَلُّ يَضَعُ تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ (الخ) الاحْتِمَالاَتِ دُونَ طَائِلٍ، وَذَاكَ لأَنَّهُ يَجْهَلُ (وَحَاشَاه) مَا سَيَعْمَلَهُ النَّاسُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، لِكَوْنِ الزَمَنِ عَائِقٌ لَهُ. . . تَخَيَّلُوا!!

وَلْنَضْرِبُ مَثَلاً يُبَيِّنُ كَيْفَ يَتَكَلَّمُ هَؤلاَءِ بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ ولاَ يَحْسَبُونَ لَهُ حِسَابًا، وَكَأنَّهُم حَدِيثُوا عَهْدٍ بالدُنْيَا فَضْلاً عَنِ القُرْءَانِ. فَقَدْ ضًرَبْنَا مَثَلاً مِن قَبْلِ بِمَسْأَلَةِ إغْرَاقِ قَوْمِ نُوحٍ؛ إذ إنَّ عِلْمَ اللهِ المُحِيطَ كَانَ فِيِهِ أنَّه لاَ أحَد مِن قَوْمِهِ سَيُؤْمِنُ بَعْدَ الوُصُولِ لِلَحْظَةٍ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا العِلْمُ ـ كَمَا عَلِمْنَا هُنَاكَ ـ كَانَ سَابِقًا لِلحُدُوثِ، وَبِالتَالِى فَقَدْ قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى الإِهْلاَكَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ مُنْذُ القِدَم، لِقِدَمِ العِلْمِ أيْضًا، وَلِذَا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى إنَّ المَاءَ قَدْ التَقَى عَلَى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ:

فَفَتَحْنَآ أَبْوَ‌ٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا ٱلْأَرْضَ عُيُونًۭا فَٱلْتَقَى ٱلْمَآءُ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾ القمر.

أمَّا عِنْدَ شَحْرُورِ فَالعِلْمَ احْتِمَالِىٌّ كَمَا يَقُولُ، وَبِالتَالِى فَإِنَّ أَمْرَ الإغْرَاقِ عِنْدَ شَحْرُور ـ عَلَى جَسَامَتِهِ وَعِظَمِهِ وَتَعْقِيِدِ حَسَابَاتِهِ ـ، “قَدْ قُدِرَ”، أَىّ قَدْ قُدِّرَ وَخُطِّطَ لَهُ، ضِمنَ تِرِيلْيُونَات الأقْدَارِ وَالتَخْطِيطَاتِ المُعَطَّلَةِ، الَّتِى تُحْسَبُ، فَقَط لِتَغْطَيَةِ الاحْتِمَالاَتِ فِى حَالَةِ حُدُوثِ أىٍّ مِنْهَا، وَالَّتِى لَنْ يُنَفَّذَ مِنْهَا شَيءٌ عَلَى الإطْلاَقِ، إذَا مَا وَقَعَ الاحْتِيَارُ عَلَى احْتِمَالٍ مُغَايِرٍ، وَهَذَا مَا يَقُولُ بِهِ شَحْرُورُ وَهُوَ يَحْسَبُ نَفْسَهُ عَلَى شَيْءٍ. وَهُوَ تَخَيُّلٍ عَبَثِىّ، لاَ يَجُوزُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، إذْ إنَّ ذَلِكَ يَعْنِى أنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ فِى مَسْألَةِ الإغْرَاقِ مِن حِسَابٍ لِلماءِ، وَكِمِّيَّتِهِ المَطْلُوبَةِ لإِحْدَاثِ الإِغْرَاقِ، وَمَصَادِرَهُ، وَمَتَىَ تَبْدَأ، وَمَتَىَ تَكُفُّ، . . الخ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ قَدَرًا مَقْدُورًا كَإحْتِيَاطِىّ لِفِعْلِ قَوْمِ نُوحٍ، وَكَانَ مِنَ المُمْكِنِ ألاَّ يَحْدُثَ لَوْ وَقَعَ احْتِمَالُ إيمَانِ قَومُ نُوحٍ!! ولِنُطَالِعُ هَذِهِ التَفَاصِيلِ مِن سُورَةِ هُودٍ:

وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ ءَامَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ ﴿٣٦﴾ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴿٣٧﴾ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌۭ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴿٣٨﴾ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌۭ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌۭ مُّقِيمٌ ﴿٣٩﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّۢ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءَامَنَ ۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٌۭ ﴿٤٠﴾ ۞ وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿٤١﴾ وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍۢ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُۥ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍۢ يَـٰبُنَىَّ ٱرْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿٤٢﴾ قَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍۢ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ ﴿٤٣﴾ وَقِيلَ يَـٰٓأَرْضُ ٱبْلَعِى مَآءَكِ وَيَـٰسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِىِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًۭا لِّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٤٤﴾“.

لَسْتُ بِحَاجَةٍ لِلتَعْلِيقِ عَلَى الأَيَاتِ، فَهِىَ تُوَضِّحُ مَا فِيهَا بِنَفْسِهَا، ولَكِن مَا يَهُمُّنى هُنَا، بِخِلاَفِ عِلْمِ اللهِ المُسْبَقِ بِأَعمَالِ قَوْمِ نُوحٍ، وَأَنَّهُم لَنْ يُؤْمِنُوا، هُوَ جَسَامَةُ العِقَابِ، وَتَوْظِيفِ السَمَاءِ وَالأرْضِ، لِيَخْرُجَ المَاءَ مِنْهُمَا، وَيَلْتَقِى مَعًا، لِيُقْضَى الأَمْرُ المُعَدُّ لَهُ سَلَفًا. وَبِالتَالِى فَإنَّهُ مِنَ المُحَالِ أنْ يَقُولَ عَاقِلٌ بِأَنَّ كُلَّ هَذَا القَدَر (التَخْطِيط) لِمَوْضُوعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَوْضُوعِ الإغْرَاقِ، هُوَ أحَد دِشِلْيُونَاتِ الأقْدَارِ المُقَدَّرَةِ لِكَىْ لاَ تَحْدُث، وَإِنَّمَا عَلَى سَبِيلِ الاحْتِيَاطِ، إذْ إنَّ سَخَافَةِ الفِكْرَةِ لَيْسَ لَهَا نَصٌّ وَاحِدٌ يُؤَيِّدُهَا، أو عَقْلٌ يُعَضِدُهَا.

7/3/39 ـ فَسَادُ الاسْتِدْلاَلِ، وَإسَاءَةُ تَنَاولِ الأَدِلَّةِ:

بَرَعَ الأُسْتَاذُ شَحْرُورُ فِى فَسَادُ الاسْتِدْلاَلِ وَإسَاءَةُ تَنَاولِ الأَدِلَّةِ. انْظُر لِسَعَةِ الجَهْلِ فِى هَذِهِ الفَقْرَةِ فَقَط:

“علم الله الكامل بأحداث مسبقة بكلياتها وجزئياتها أو بأحداث جارية بكلياتها وجزئياتها: وذلك أنه في لحظة أن نوى أبو بكر الإيمان قبل أن يفضي بهذه النية لأحد وهي مازالت سرا في نفسه علمها الله أولا وفي نفس اللحظة التي نوى فيها أبو بكر الإيمان”.

1 ـ فَقَدْ خَلَطَ شَحْرُورُ مَا بَيْنَ العَمَلِ وَبَيْنَ النِيَّةِ، فَعَنْوَنَ بِالأحْدَاثِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَنِ النِيَّةِ.

2 ـ تَكَلَّمَ بالفَقْرَةِ عَن عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ لَم يُثْبِتُ لَهَ إلاَّ العِلْمِ بالنِيَّاتِ.

3 ـ رَتَّبَ شَحْرُورُ المَسْألَةَ كَالتَالِى:

ـ نَوىَ أبُو بَكْر الإيمَان: (لحظة أن نوى أبو بكر الإيمان).

ـ أصْبَحَت نِيَّةُ أَبى بَكْرٍ سِرًّا فِى نَفْسِهِ: (وهي مازالت سرا في نفسه).

ـ لَم يَعْلَم أبُو بَكر بِمَا انْتَوَاهُ هُوَ شَخْصِيًّا لَحْظَةَ انْتَوَى، حَيثُ عِلْمَ اللهُ نِيَّتَهُ أوَّلاً: (علمها الله أولا).

فَهَل يَنْوى أحدٌ إلاَّ إذَا كَانَ مَا سَيَنْوِيِهُ مَعْلُومًا لَدَيْهِ لَحْظَةَ قَرَّرَ؟!

وَهَل يَكُونَ أحَدٌ عَلَى جَهْلٍ بِمَا انْتَوَاهُ هُوَ شَخْصِيًّا بَعْدَ مَا انْتَوَاهُ؟

4 ـ وَحَتَّى صِيَاغَةِ كَلاَمِهِ الخَطَأ جَاءَت هِىَ أيْضًا خَطَأ، فَتَكَلَّمَ عَن الأحْدَاثِ المُسْبَقَةِ (أى المَاضِيَةِ) بَيْنَمَا هُوَ يُرِيدُ الكَلاَم عَن الأحْدَاثِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ.

5 ـ وَقَوْلُهُ: “علم الله الكامل“، يُوحِى خَطَأ بِأنَّ هُنَاكَ غَيْرُهُ نَاقِصٌ، إذْ إنَّ عِلمَ اللهِ تَعَالَى كُلُّهُ كَامِل.

6 ـ وَكَيْفَ يَقُولُ بِعْلْمِ اللهِ الكامِلِ، وَهُوَ الَّذِى يَنْفِى عَن اللهِ العِلْمَ بِمَا سَيَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ قَبْلَ حُدُوثِهِ؟!

7 ـ إنَّ مَا سَمَّاهُ بِعِلْمِ اللهِ الكامِلِ، تَوَقَّفَ عِنْدَ النِيَّةِ، وَظَلَّ اللهُ عِنْدَ شَحْرُورِ جَاهِلاً (وَحَاشَاهُ) بَمَا سَيَعْمَلُهُ أبُو بَكْرٍ فِيمَا بَعْد!!

وَخُلاَصَةُ هَذِهِ النُقْطَةِ أنَّ عِلْمَ اللهِ لاَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ عِلْمٌ بِالاِحْتِمَالاَتِ، وَانَّ اسْتِدْلاَلاتِ شَحْرُورِ كَانَت عِبَارَة عَن خَلِيطٍ مِنَ الأخْطَاءِ وَسُوءِ الاسْتِدلاَلِ، والتَلاَعُبِ بِالألفَاظِ، وَحَسْبُ ذَلِكَ أن يَشْرَحَ مَا وَصَلَ إلَيْهِ.

8 ـ الشُبْهَةُ الثَالِثَةُ: عِلْمُ اللهِ إحْصَائِىٌّ:

سَنُلاَحِظُ هُنَا (كَمَا لاَحَظْنَا فِى كَلاَمِ شَحْرُورِ عَنْ عِلْمِ اللهِ عُمُومًا) أَنَّ شَحْرُورَ ـ عَلَى أحْسَنِ الأَحْوَالِ، وَبِتَحْسِينِ الظَّنِ ـ يَقُولُ مَا لاَ يَفْهَمَهُ فِى هَذِهِ المَسْألَةِ الخَاصَّةِ بِعِلْمِ اللهِ، وَقَدْ كَانَ مِن ذَلِكَ وَصْفُهُ لِعْلْمِ اللهِ، وَعَلْمُ اللهِ لاَيُوصَفُ، وَإنَّمَا سُلُوكُ المُتَّقِينَ فِيهِ أنْ يَتَوَقَّفُوا عِنْدَ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَفَقَط. وَأيضًا فَقَدْ وَصَفَهُ مِن عِنْدِيَّاتِهِ. وَأخِيرًا فَقَدْ وَصَفَهُ خَطَأً.

8/1/40 ـ فَسَادُ فَهْمِ شَحْرُورِ لِلعِلْمِ الإحْصَائِىّ:

يَقُولُ شَحْرُورُ: “وعلم الله هو أعلى أنواع علوم التجريد، وأعلى أنواع علوم التجريد هو الرياضيات لذا قال (وأحصى كل شيء عدداً) (الجن 28) أي أن علم الله بالموجودات هو علم كمي بحت. فالإحصاء هو التعقل، والعدد هو حال الإحصاء”.

ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَهَا: “وإذا أردنا أن نعرف علم الله في الأشياء فهو علم رياضي بحت، أي في علم الله لا يوجد أصفر فاتح وأصفر غامق، وتفاحة كبيرة وتفاحة صغيرة، ولكنها في علمه كلها علاقات رياضية عددية بحتة”.

فَأَوَّل شَيءٍ يُلْفتُ النَّظَرَ فِى كَلاَمِ شَحْرُورِ السَابِقِ هُوَ: مِن أينَ لَهُ بِهَذَا العِلْمِ، حَتَّى يَتَجَرَّأ وَيَصْدَعَ بِهِ؟

هَل يُنَبَّؤُاْ الرَجُلُ بِمَا لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، فَهُوَ يَنْطِقُ بِهِ، أم لَهُ كِتَابٌ مَنَزَّلٌ خَاصٌّ لَم يَصِلْنَا؟!!

هَل قَالَ اللهُ لَهُ (مَثَلاً): إنَّ عِلْمِى رِيَاضِىٌ عَدَدِىٌّ بَحْتٌ، وَفَقَط؟!

وَمِن أينَ لَهُ أنَّ عِلْمَ اللهِ لَيْسَ فِيهِ أَصْفَرٌ فَاتِحٌ، وَأَصْفَرٌ غَامِقٌ، وَتُفْاحَةٌ كَبيرَةٌ، وَتُفْاحَةٌ صَغِيرَةٌ؟! . . مَا هَذَا الكَلاَم الفَارغ؟!!

ءَآللهُ تَعَالَى يَقَفُ عِلْمَهُ عِنْدَ الكِمِّيَاتِ فَقَط، وَيَقْصُرُ عَن النَوعِيَاتِ، فَيَصِيرُ كَمًّا بِلاَ صِفَاتٍ، لَيْسَ فِيهِ كَبيرٌ، أوْ صَغِيرٌ، أوْ ألْوَانٌ، أوْ غَيْرُهُ؟!

سُبْحَانَك؛ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم!

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:

.. لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾ الطلاق.

لِيُبَيِّنُ أنَّهُ يُحِيطُ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا، ثُمَّ يَزيِدُ النَّاسَ بَيَانًا أنَّ عِلْمَهُ لَيسَ عِلْمًا بِالحَدَثِ فَقَطْ، وَإنَّمَا تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى العِلْمِ بِكُلِّ مَا يَخُصّ الأَحْدَاثِ مِن تَفَاصِيلٍ (بِكُلِّ شَيْءٍ) مَهْمَا بَلَغَت دِقَّتِهَا، عَلَى سَبِيِلِ الإِحْصَاءِ، وَالعَدِّ، فَلا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ. فَاغْتَرّ البَعْضُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ دِرَاسَتِهِم لأيَاتِ الكِتَابِ المُحْتَشِدَةِ فِى بَيَانِ عِلْمِهِ، وَقَالُوا مَقُولَتِهِم الجَاهِلةِ بأَنَّ عِلمَ اللهِ إحْصَائِىٌّ، وَكَمِّىٌّ، وَلَيْسَ فِيِهِ ألْوَانٌ، وَلاَ أحْجَامٍ . . الخ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُبَرْهِنُ بِشَيْءٍ عَلَىَ مَا قَالَهُ.

8/2/41 ـ الإحْصَاءُ فِى القُرْءَانِ يُحِيطُ بِالمُحْصَى:

الإحْصَاءُ فِى القُرْءَانِ يَعْنِى أتَمُّ أشْكَالِ الحَصْرِ وَالوَصْفِ، وَبِالتَالِى فَإِذَا مَا قِيلَ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْنِى أنَّ مَا تَمَّ إحْصَاءُه لاَ يَخْفَى مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الإِطْلاَقِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى فِى كِتَابِهِ الكَرِيم:

وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةًۭ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًۭا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًۭا ﴿٤٩﴾ الكهف.

فَنَجِدُ أنَّ الإحْصَاءَ هُنَا مُسْتَوْدَعٌ فِى كِتَابٍ، وَالإحْصَاءُ حَصَرَ الأَحْدَاثُ كَمَا حَدَثَت بِالتَمَامِ وَالكَمَالِ، حَتَّى أنَّ مَا عَمَلُوهُ وَجَدُوهُ حَاضِرًا، وَمِنَ البَدِيهِى أنْ مَا هُوَ حَاضِرٌ حَاضِرٌ بِلَوْنِهِ وَحَجْمِهِ، وَجَمِيعُ تَفَاصِيلِهِ.

وَعِنْدَمَا يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا، فَإنَّ اللونَ، وَالحَجْمَ، وَمَا شَابَهَ دَاخِلٌ فِى ” وَكُلَّ شَيْءٍ”، فَأن يَأتِى شَحْرُورٌ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَقُولَ:

“علم الله في الأشياء هو علم رياضي بحت، أي في علم الله لا يوجد أصفر فاتح وأصفر غامق، وتفاحة كبيرة وتفاحة صغيرة، ولكنها في علمه كلها علاقات رياضية عددية بحتة”.

هُوَ تَغَافُلٌ مِنْهُ، وَجَهْلٌ بِأَيَاتِ الكِتَابِ الكَرِيمِ.

وَعِنْدَمَا يَقُولُ العَلِىُّ: إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْدًۭا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّۭا ﴿٩٤﴾ مريم.

نَجِدُ أنَّ هُنَاكَ فِعْلُ إحْصَاءٍ، وَفِعْلُ عَدٍّ، وَبِالتَالِى فَلاَ يَصِحُّ هُنَا أيْضًا أنْ يُقَالَ بِأنَّ الإحْصَاءَ كَانَ عَدَدِيًّا، بَل إنَّ الإحْصَاءَ هُنَا يَعْنِى الحَصْرُ الشَامِلِ والكَامِلِ لِكُلِّ تَفَاصِيلِ الجَمِيعِ (17) بِكَامِلِ عَدَدِهِم، وَكَيْفِيَّاتِهِم. وَيُلاَحِظُ الذَكِىُّ هُنَا أنَّ الأَيَاتِ لاَ تَتَحَدَّثُ عَن الأعْمَالِ، وَإنَّمَا عَن الاسْتِيفَاءِ لِلجَمِيعِ، وَبِالتَالِى فَنَحْنُ نَأخُذُ مِنْهَا فَقَطْ مَعْنَى الإحْصَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ إحْصَاءٌ عَدَدِىٌّ كَمَا يَزْعُمُ الشَحْرُورُ.

وَعِنْدَمَا يَقُولُ تَعَالَىَ عَنْ رُسُلِهِ:

لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا۟ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا ﴿٢٨﴾ الجن.

فَإِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: “وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا“، هُوَ أحْدُ وُجُوهِ الإحْصَاءِ الَّذِى ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ كُلَّهُ، كَمَا تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ عَرْضُهُ أعْلاَهُ، فَهَل مِن المَسْلَكِ العِلْمِىِّ أنْ يأتِىَ شَحْرُور أو غَيْرُهُ عَلَى قَول اللهِ تَعَالَى: “..وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا“، لِيَقْتَطِعَ مِنهُ الإحْصَاءَ العَدَدِىَّ مِنْهُ، فَيَجْعَلُهُ هُوَ كُلِّ الإحْصَاءِ الرَبَّانِىّ، وَمُنْتَهَى عِلْمُ اللهِ، وَيُغْفِلُ لَفْظَ “الإحَاطَةِ” بِمَعْنَاه الشُمُولِىِّ، وَيُغْفِلُ التَركِيبَ الكَامِلَ لِلأَيَةِ، وُيَتَجَاهَل عَشَرَات الأَيَاتِ (الَّتِى سُقْنَا الكَثِيرَ مِنْهَا) النَّاصَّةِ عَلَى إحَاطَةِ وَشُمُول عِلْمِ اللهِ لِكُلِّ شَيءٍ، لِيَسْتَخْرجَ مِنْهُ هَذَا الهُرَاء الَّذِى قِيل؟ انظُرُوا لِقَوْلِهِ:

“إننا نميز عدة أنواع من الإحصاء وهو أن نعقل الشيء ككل وذلك ما بأن نعرض صورة له ونرسمه وهذا ما نفعله الآن عندما نريد أن نعقل خلية فنضعها تحت المجهر ونرسمها “إحصاء كيفي” وإما أن نعقل الشيء عن طريق الوصف اللغوي كأن نصف شخصا وصفا عن طريق التعبيرات اللغوية بحيث أن المستمع يأخذ صورة كاملة عنا لشخص الموصوف “إحصاء لغوي” أما النوع الثالث من الإحصاء فهو الإحصاء العددي، أي الإحصاء عن طريق الكم أي أننا نأخذ صورة كاملة عن الكم المتصل “الإحصاء” بواسطة الكم المنفصل “العدد”. لذا قال عن إحصاء الله للأشياء بأنه إحصاء عددي لا إحصاء لغوي أي أن علم الله للأشياء كما قلت علم رياضي تجريدي بحت”.

وَالخُلاَصَةُ أنَّ عِلْمَ اللهِ بِالأَشْيَاءِ لَيْسَ كَمَا قِيِلَ “عَدَدِىٌّ رِيَاضِىٌّ”، وَإنَّمَا هُوَ عِلْمٌ كَامِلٌ، شَامِلٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، بِمَا فِى ذَلِكَ الألْوانَ وَالأحْجَامَ، والمُكَوِّنَاتُ الأَوَّلِيَّةُ، وَالأشْكَالُ، . . الخ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:

وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ كِتَـٰبًۭا ﴿٢٩﴾ النبأ.

فَسُبْحَانَ مَن أحْصَى كُلَّ شَيْءٍ بِكُلِّ تَفَاصِيلِهِ، وَاسْتَوْدَعَهُ كِتَابًا.

9 ـ الشُبْهَةُ الرَابِعَةُ: كِتَابَةُ الأَعْمَالِ:

لاَ يُفَرِّقُ شَحْرُورُ بَينَ العِلْمِ وَبَينَ تَسْجِيلِ الأعْمَالِ، وَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ العِلْمِ بِمَا سَيَحْدُث، وبَيْنَ العِلم بالوَاقِعِ؛ يَقُولُ شَحْرُورُ:

“أن من يستقم فإنه لا يفاجئ الله باستقامته، ومن ينحرف لا يفاجئ الله بانحرافه. وفي هذا يصبح الخيار الإنساني الواعي خيارا حرا يستلزم الثواب والعقاب، وتصبح خيارات الإنسان غير مكتوبة عليه سلفا”.

9/1/42 ـ كِتَابَةُ الأعْمَالِ بِمَنْأى عَنِ العِلْمِ:

مِنَ البَدِيهِيّ أنَّ أعْمَالَ النَّاسِ غَيْرُ مَكْتُوبَةٍ قَبْل وُقُوعِهَا، إذ كَيْفَ سَتُكْتَبُ عَلَى أنَّهَا حَدَثَت، وَهِىَ لَمْ تَحْدُثُ بَعْد؟! هَذَا أمْرٌ لاَ يَحْتَاجُ ذَكَاءً!

وَبَعْدَ اسْتِعْرَاضِ كُلِّ مَا سَبَقَ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ فَقَدْ تَأكَّدْنَا:

أنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى المُجَرَّدَ سَابِقٌ لِلخَلْقِ (أَزَلِيٌّ).

وَأنَّهُ سُبْحَانَهُ يَعْلَمُ حَقِيقَةَ كُلِّ نَفْسٍ مِنْ قَبْلِ خَلْقِهَا، وَلَكِنَّهُ عِلْمٌ بِلاَ تَحَقُقٍ “كونيٍّ” بَعْدُ أَوْ أَحْدَاثٍ.

كَمَا أنَّهُ يَعْلَمُ مَا سَتَكْسَبُهُ كُلُّ نَفْسٍ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ، وَتَحْتَ أَيَّ ظُرُوفٍ، وَلَكِنَّهُ عِلْمٌ لَمْ يَجْعَلْهُ اللهُ تَعَالَى سَبِيلاً لِتَمْييزِ النَّاسِ وَحِسَابِهِم.

وَعِنْدَمَا يَحْدُثُ هَذَا التَحَقُّق “الكَوْنِيّ” يَحْدُثُ العِلْمُ الوَاقِعِىُّ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ التَسْجِيل وَالتَمْييز.

فاللهُ تَعَالَى يَعْلَمُ أفْعَالَ العِبَادِ، وَلَكِنَّهُ لاَ يَكْتُبْهَا عَلَيِّهِم بعِلْمِهِ، حَتَّى تَقَعُ مِنْهُم، وَبِالتَالِى فَإنَّ مَا سَمَّاهُ الشَحْرُورُ بِالخِيَارِ الإِنْسَانِيِ الْوَاعِي سَيَظَلُّ خِيَارًا حُرًّا، وَسَتَظَلُّ خِيَارَاتُ الإِنْسَانِ غَيْرُ مَكْتُوبَةٍ عَلَيِّهِ سَلَفًا، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلِ العَلِيّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌۭ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿١٨١﴾ ءال عمران.

أَفَرَءَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـَٔايَـٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًۭا وَوَلَدًا ﴿٧٧﴾ أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْدًۭا ﴿٧٨﴾ كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدًّۭا ﴿٧٩﴾ مريم.

أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَىٰهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴿٨٠﴾ الزخرف .

وَهُنَا نَجِدُ العَدْلَ المُرْتَبِطَ بِالحُرِّيَةِ، فَاللهُ تَعَالَى لَمْ يُؤَثِّرُ عِلْمهُ فِي شَيْءٍ مِن حُريِّةِ العَبْدِ، وَلَمْ يُسَجِّلُ عَلَيْهِ شَيْئًا حَتَّى قَامَ بِهِ عَلَى وَجْهِ الاخْتِيَارِ وَالتَحَقُقِ، وَلَمْ يُطْلِعُ اللهُ تَعَالَى عَلَى غَيْبِهِ هَذَا أحَدًا.

9/2/43 ـ جَحدُ الإنْسَان لأعْمَالِهِ:

بِرَغْمِ أنَّ الإنْسَانَ قَدْ وُجِدَ فِى الدُنْيَا، واكْتَسَبَ مَا كَسَبَت يَدَاهُ، إلاَّ أنَّ مِنْهُ مَنْ يَجْحَدُ مَا عَمِلَهُ؛ يَقُولُ تَعَالَى:

وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًۭا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٢٢﴾ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴿٢٣﴾ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾ الأنعام.

فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ حَالُ بَعْضِ الإنْسَانِ، وَهُوَ قَدْ خُلِقَ، وَتُرِكَ حُرًّا، وَاخْتَارَ أنْ يُشْرِكَ، ثُمَّ هَا هُوَ يُنْكِرُ، وَيَحْلِفُ أنَّهُ لَمْ يُشْرِكَ يَومًا، فَكَيْفَ كَانَ سَيَكُونُ الحَالُ لَوْ أنَّ اللهَ حَاكَمَ النَّاسَ بِعِلْمِهِ بِاخْتِيَارَاتِهِم فَقَطْ، بِدُونِ إيجَادِهِم فِى الواقِعِ؟

إذًا فَإيجَادُ النَّاسِ فِى هَذِهِ الدُنْيَا هُوَ ضَرُورَةٌ لإقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَيْهِم، وَكِتَابَةُ الأعْمَالِ بَعْدَ تَحَقُّقِهَا هِىَ أيْضًا ضَرُورَةٌ لإقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَى النَّاسِ، حَتَّى إِنَّ اللهَ يُوَاجِهُ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَفَائِحِهِم، وبِجَوَارِحِهِم:

ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰٓ أَفْوَ‌ٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴿٦٥﴾ يس.

وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٩﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿٢٠﴾ وَقَالُوا۟ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوٓا۟ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِىٓ أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍۢ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَآ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًۭا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢٢﴾ وَذَ‌ٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَىٰكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٢٣﴾ فصلت.

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿٢٤﴾ يَوْمَئِذٍۢ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ ﴿٢٥﴾ النور.

إذًا فَالعِلْمُ المُجَرَّدُ لاَ يَنْفَعُ وَحْدَهُ مَعَ النَّاسِ، وَحَتَّى كِتَابَةُ الأعْمَالِ لاَ تَنْفَعُ أيْضًا مَعَ بَعْضِ النَّاسِ، وَمِن هُنَا نَفْهَمُ جَيْدًا أنَّ عِلْمَ اللهِ الأزَلِىّ لَمْ يَتَدَخَّلَ فِى خِيَارَاتِ النَّاسِ، وَأَنَّ النَّاسَ تَعْلَمُ يَقِينًا أنَّ أعْمَالَهُم وَقَعَت بِاخْتِيَارِهِم، وَقَرَارَاتِهِم، وَلِذَا قَالُوا لِجَوَارِحِهِم: لِمَ شَهِدتُم عَلَيْنَا؟ وَلَمْ يَقُل أحَدٌ مِنْهُم للهِ (مَثَلاً) أنْتَ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّنَا كُنَّا سَنَعْمَلُ هَذِهِ المُنْكَرَاتِ فَلِمَ تَرَكْتَنَا نَعْمَلُهَا، أوْ أنَّهُ كَانَ لُزُومًا أنْ نَعْمَلَ مَا عَلِمْتَهُ، إذْ إنَّهُم يَعْلَمُونَ القِصَّةَ كَامِلَةً، وَيَعْلَمُونَ أنَّهُم اخْتَارُوا قَبْلاً أنْ يَحْمِلُوا الأمَانَةَ، وَيَعْلَمُونَ أنَ الاخْتِيَارَ فِى الدُنْيَا كَانَ لَهُم، وَأَنَّ اللهَ أشْهَدَهُم عَلَى أنْفُسِهِم، وَبِالتَالِى فَهُم يَعْلَمُونَ أنَّ العِلْمَ كَانَ لِلاخْتِيَارِ الوَاقِعِ مِنْهُم، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ شَهَادَةِ جَوَارِحِهِم، وَظُهُورِ حُرِّيَةِ اخْتِيَارِهِم: “..وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ“!

9/3/44 ـ إحْبَاطُ الأعْمَالِ وَعَدَم النَظَرِ إلَيْهَا:

طَنْطَنَ شَحْرُورُ بِأَنَّ تَحَقُّقِ العَدْلِ يَقْتَضِى جَهْلِ اللهِ بِمَا سَيَعْمَلُهُ العِبَادُ، وَبِالتَالِى يَبْدَأ تَسْجِيلِ الأعْمَالِ دُونَ سَبْقِ عِلْمٍ إلاَهِىٍّ، وَبِذَلِكَ فَقَدْ أعْطَى لِنَفْسِهِ مَرْتَبَةِ تَحْدِيدِ مَعَايِيرِ العَدْلِ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَدَلاً مِن أنْ يَتْرُكَ لِكِتَابِ اللهِ أنْ يُعَلِّمَهُ بِالمَعَايِيرِ الحَقِّ!!!

حَسَنًا؛ فَمُنْتَهَى العَدْلِ عِنْدَهُ هُوَ أنْ تُسَجَّلُ الأعْمَالُ لِحِينَ الحِسَابِ. وَبِالتَالِى فَإنَّ التَسْجِيلَ الحُرَّ هُوَ سَبِيلُ تَحْقِيقِ العَدْلِ، وَلَكِن إذَا مَا رَجِعْنَا إلَى القُرْءَانِ فَسَنَجِدُ أنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ لَنْ يُؤبَهُ لِكُتُبِهِم، وَلَنْ تُنَاقَشُ أعْمَالهُم، وسَيُؤخَذُونَ فَوْرًا إلَى جَهَنَّم وَبِئْسَ المَصِيرِ، دُونَ مِيزَانٍ أوْ شَفَاعَةُ عَمَلٍ، فَأيْنَ مِعْيَارِ العَدْلِ الَّذِى بِسَبَبِهِ وَسَمَ شَحْرُورُ وَأشْبَاهِهِ اللهَ بِالجَهْلِ بِمَا سَيَعْمَلُهُ العِبَادُ مُسْتَقْبَلاً؟! . . يَقُولُ تَعَالَى:

..أُو۟لَـٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا۟ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًۭا ﴿١٩﴾ الأحزاب.

وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٣﴾ يوسف.

أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْنًۭا ﴿١٠٥﴾ الكهف.

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًۭا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿٨٤﴾ النحل.

إذًا فَمِعْيَارُ العَدْلِ اللهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِى يُحَدِّدَهُ، وَطَالَمَا أعْلَمَنَا أنَّهُ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ العِبَادِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَأنَّهُ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ، وَأَنَّ العِبَادَ أحْرَارٌ فِى أعْمَالِهِم، فَيَجِبُ عَلَيْنَا أنْ نَفْهَمَ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عِلْمِهِ، وَعَن مَعَايِيرِ العَدْلِ فِى كِتَابِهِ.

لَقَدْ سَوَّدَ الأستاذ شَحْرور العَدِيدَ مِنَ الصَفْحَاتٍ الَّتِى تَعَدَّت الخَمْسَةَ ءَالاَفِ لَفظًا (5000)، حَاولَ فِيهِنَّ بِكُلِّ مَا يَملُكَ أنْ يُصَوِّرَ اللهَ تَعَالىَ بِأنَّهُ لاَ يَعْلَمُ أعْمَالَ العِبَادِ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، وَأَنَّ عِلْمَهُ ريَاضِىٌّ يَقَفُ عِنْدَ العِلم بِالاِحْتِمَالاَتِ كُلِّهَا فَقَط، دُونَ تَحْدِيدٍ لاحْتِمَالٍ مِنْهَا، وَأقْصَى مَا يُمْكِنُ أنْ يُقَالُ عِنْدَهُ هُوَ عِلْمُ اللهِ بِمَا يُضْمِرَهُ النَّاسُ فِى أنْفُسِهِم؛ وَكُلَّ هَذِهِ المُحَاوَلاَتِ الَّتِى تَمَّت كَانَ غَطَاؤهَا التَبْريِرِىُّ عِنْدَهُ هُوَ إثْبَاتُ العَدْلِ للهِ وَإنْ أثْبَتَ أيْضًا الجَهْلَ للهِ وَحَاشَاهُ. وَقَدْ رَأينَا هُنَا كَيْفَ أنَّ العَدْلَ مُثْبَتٌ للهِ مَعَ ثَبَاتِ العِلمِ لَهُ أيْضًا، فَسُبْحَانَ مَنْ أحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَلاَ يَظْلِمُ أحَدًا.

الخاتمة

لَقَدْ بَيَّنتُ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ (لِلبَاحِثِ عَنِ الحَقِّ) مِن خِلاَلِ مَحَاورٍ عِدَّةِ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى فِى شَأنِ عِلْمِهِ، كَمَا بَيَّنْتُ قَدْرَ الزَلَلِ وَالشَطَطِ فِى شُبُهَاتِ مَنْ ظَنُّوا أنْفُسَهُم عَلَى شَيْءٍ، وَهُم يَقُولُون بِأنَّ الزَّمَن كَانَ حَائِلاً يَمْنَعُ اللهَ تَعَالَى ـ وَحَاشَاهُ ـ مِنَ العِلْمِ بِمَا سَيَعْمَلُهُ العِبَادُ، حَتَّى أنَّهُم قَاسُوا حَالَ اللهِ عَلَى حَالِهِم، وَألْزَمُوا اللهَ بِدَينُونَتِهِم، وَمَحْدُوُدِيَّتِهِم، وَلَم يَجُعَلُوا اللهَ سُبْحَانَهُ مَرْجِعًا لَهُم فِى أمْرٍ خَطِيِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ الأَمْرُ، وَتَجَاهَلُوا، أنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ الزَّمَن، فَلاَ يَصِحُّ مُجَرَّدِ التَفْكِير فِى أنَّ مَخْلُوقًا مَا، أصْبَحَ قَيْدًا عَلَى الخَالِقِ، وَحَاشَاهُ، فَضْلاً عَن أنَّهُم جَعَلُوا الزَّمَنَ مُطْلَقًا، وَجَهِلُوا أنَّ لُزُومَ الزَّمَنِ، هُوَ خَاصٌّ بِفِيزْيَاءِ الكَونِ المَخْلُوقِ، بِمَن فِيهِ مِن مَخْلُوقَاتٍ، لاَ بِالخَالِقِ، وَتَجَاهَلُوا مَسْألَةَ إِمْسَاكِ اللهِ بِكَوْنِهِ، وَأنَّ المُمْسِكَ بالكَوْنِ لاَبُدَّ وَأنْ يَكُونَ خَارِجَهُ، وَبِالتَالِى خَارِجَ قَوَانِينَهُ، وَجَهِلُوا مَسْأَلَةَ تَفَاعُلَ اللهِ تَعَالَى مَعَ خَلْقِهِ فِى اللاَزَمَنِ، وَفَرَّقُوا (بِجَهْلٍ) بَيْنَ الزَّمَان، وَالمَكَانِ، بِغَيْرِ أىّ حُجَّةٍ، وَتَجَاهَلُوا مَسْألَةَ كَلاَمِ اللهِ بِصِيَغِ المَاضِى، لِمَا لَمْ يَأتِ بَعْدُ؛ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ الأَزْمِنَةِ بِالنِسْبَةِ لَهُ تَعَالَى.

أيضًا فَقَدْ تَجَاهَلُوا عَنْ عَمْدٍ أنَّ كُلَّ أَحْدَاثِ يَوْمَ القِيَامَةِ الَّتِى سَتَقَعُ فِي المُسْتَقْبَل قَدْ أخْبَرَنَا اللهُ تَعَالَي بِالكَثِيرِ مِنْهَا، بِمَا فِى ذَلِكَ أفْعَالُ العِبَادِ يَومَئِذٍ. وَمِنهَا حِوَارَاتٌ جَرَت بَيْنَ اللهِ تَعَالَى وَبَيْنَ رُسُلٍ بِعَيْنِهِم (كَعِيسَى)، وَبَيْنَ الرُسُلِ عُمُومًا، وَحِوَارَاتٌ جَرَت بَيْنَ أصْحَابِ النَّارِ وَبَيْنَ أصْحَابِ الجَنَّةِ، وَبَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أصْحَابِ النَّارِ، وَبَيْنَ الشَيْطَانِ وَبَيْنَ أصْحَابِ النَّارِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ الكَثِيرُ مِمَّا تَرَكْنَاهُ لِبَحْثِ القُرَّاءِ. وَكَانَ المُفْتَرَض ـ طِبْقًا لِمَذْهَبَىّ اليَهُودِ وَشَحْرُور فِى جَهْلِ اللهِ بأعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَليَّةِ عُمُومًا أوْ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ ـ ألاَّ يَعْلَم اللهُ مَا سَيَقُولهُ عِيسَى عِنْدَمَا يَسْأَلهُ اللهُ تَعَالَى، وَألاَّ يُوردُ مِثلَ هَذَا الحُوَار ـ الأُخْرَويّ ـ بكِتَابهِ، وَأَلاَّ يَعْلَمُ أَيْضًا أَفْعَالَ وَأَقْوَالَ النَّاسِ، وَالمَلاَئِكَةِ، وَأَصْحَابِ النَّارِ، وَمَالِكِ، وَأَصْحَابِ الجَنَّةِ .. الخ. وَلَكِنَّ الحَادِثَ هُوَ عَكْسُ ذَلِكَ، مَا يَدُلُّ عَلَي خَطَأِ مَا ذَهَبَ إِلَيهِ أَصْحَابُ القَوْل الخَاطِئ، وَعَلَى أنَّ عِلْمَ اللهِ تَعَالَى هُوَ عِلمٌ مُحِيطٌ، وَعَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، لاَ عَلَى وَجْهِ الاحْتِمَالِ، كَمَا يَتَوَهَّمُ قَلِيلُوا العِلْمِ والتَقْوَى، مِمَّن يُجَادِلُونَ فِى اللهِ تَعَالَى بِغَيرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدَىً وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ.

أيْضًا فَقَدْ رَأيْنَا فِى المِحْوَر الثَالِثِ كَيْفَ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ غَفَرَ لِرَسُولِهِ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وَمَا تَأخّر، وَمَا كَانَ ذَلِكَ لِيَحْدُثَ لَوْلاَ عِلْمُ اللهِ بِسَلاَمَةِ رَسُولِهِ مِنَ الشْرِكِ حَتَّى نِهَايَةِ عُمُرِهِ، كَمَا رَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ بمَا سَيَفْعَلَهُ فِرْعَوْنُ مَعَ مُوسَى، قَبْلَ وُقُوعِهِ، كَمَا نَاقَشْنَا مَسْألةَ كِتَابَةِ عُمْر المُنْتَحِر مِن قَبْلِ أنْ يَنْتَحِر، كَمَا رَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى العِلْمِ بَمَا خَلْفَ النَّاسِ، وأخْبَرَ بِمَا سَيَقُولُهُ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأعْرَابِ مِن قَبْلِ أنْ يَقُولُوه، كَمَا نَاقَشْنَا مَسْألةَ القُرَى المُهْلَكَةِ بِسَبَبِ أعْمَالِهَا، وَكَيْفَ أنَّ الإهْلاَكَ كَانَ مَكْتُوبٌ مِن قَبْلِهَا، وَرَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أخْبَرَ بِدُخُولِ المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَبِإفْسَادِ بَنِى إسْرَائِيل مَرَّتَيْنِ مِن قَبْلِ أنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ، وَأخِيرًا فَقَدْ رَأينَا كَيْفَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ بمَا سَيَفْعَلهُ قَوْمُ نُوُحٍ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ رَسُولَهُ نُوحَ بِذَلِكَ مِن قَبْلِ أنْ يَحْدُثَ، مَا يَتَبَيَّنُ مِنْهُ أنَّ اللهَ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكَوْنِهِ، بِمَا فِى ذَلِكَ العِبَادِ، وَأعْمَالِهِم.

ثُمَّ رَأيْنَا كَيْفَ أنَّ الأَمْرَ لَم يَتَوَقَّفُ عِنْدَ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِمَا سَيَكُونُ، وَإنَّمَا تَعَدَّاهُ إلىَ مَا لَنْ يَكُونَ، كَيْفَ كَانَ سَيَكُونُ لَوْ كَانَ، إذْ إنَّ عِلْمَ اللهِ هُوَ عِلْمٌ تَجْريدِىٌّ، بِمَعْنَى أنَّهُ عِلْمٌ مُجَرَّدٌ مِنَ الوَاقِعِ وَالحُدُوثِ، أوْ بِصِيغَةٍ أُخْرَى هُوَ عِلْمٌ بِالوَاقِعِ وَبِمَا سَيَكُونُ مِن غَير تَحَقُّقِ هَذَا الوَاقِع. أى أنَّ التَجْريدَ يَعْنِى هُنَا العِلْمَ بِمَا سَيَكُونُ فِى أىّ اتِجَاهٍ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، لَوْ شَاءَهُ اللهُ، أوْ لَمْ يَشَأهُ.

أيْضًا فَقَدْ نَاقَشْنَا كَيْفَ أنَّ بَعْضَ العِبَادِ قَدْ عَلِمَ بَعْضَ مَا سَيَعْمَلُهُ غَيْرُهُم مِن العِبَادِ، كَعِلْمِ عِيسَى، وَيُوسُفَ، وَيَعْقُوبَ، وَعَبْدُ اللهِ الصَالِحُ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، وَعِلْمُ عِيسَى بِبَعْضِ أعْمَالِ نَفْسِهِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، والَّذِى أنْبَأهُم كُلَّهُم هُوَ اللهُ تَعَالَى.

ثُمَّ تَنَاولْتُ شُبُهَاتِ القَوْمِ، حَيْثُ كَانَت الشُبْهَةُ الأُولَى هِىَ أنَّ عِلْمَ اللهِ بِمَا سَيَعْمَلُهُ النَّاسُ يَقْتَضِى الجَبْر، والجَهْلُ هُوَ سَبيلِ الحُرِّيَةِ وَالعَدْلِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ أنَّ العِلْمَ المُسْتَقْبَلِىّ بِأعْمَالِ العِبَادِ هُوَ عِلْمٌ بِالاخْتِيَاراَتِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أوْ المَقْبُولِ أنْ يَقُومَ اللهُ تَعَالَى بِتَعْطِيلِ عِلْمِهِ لِيَرْضَى النَّاس، كَمَا بَيَّنْتُ أنَّ العِلْمَ عِلْمَانٍ، وَهُمَا العِلْمُ المُسْتَقْبَلِىُّ بِأعْمَالِ العِبَادِ، وَالعِلْمُ الوَاقِعِىُّ، وَأيْضًا فَالعِلْمُ يَعْنِى العِلْم لاَ الإجْبَار. ثُمَ نَاقَشْتُ الشُبْهَةُ الثانيةُ القَائِلَةُ بِأَنَّ عِلْمَ اللهِ احْتِمَالِىٌّ، فَبَيَّنْتُ كَيْفَ تَمَّ التَلاَعُب بِالأَلْفَاظِ، وَهُوَ لَيْسَ مِن شِيَمِ العُلَمَاءِ فَضْلاً عَن المُتَّقِين، وَبَيَّنْتُ سَخَافَةُ وَعَبَثِيِّةُ القَوْلِ بِالعِلْمِ الاحْتِمَالِىّ، وَكَيْفَ بَرَعَ الأُسْتَاذُ شَحْرُورُ فِى فَسَادُ الاسْتِدْلاَلِ وَإسَاءَةُ تَنَاولِ الأَدِلَّةِ وَهُوَ يُزَخْرِفُ شُبْهَتَهُ. ثُمَ نَاقَشْتُ الشُبْهَةُ الثَالِثَةُ القَائِلَةُ بِأَنَّ عِلْمُ اللهِ إحْصَائِىٌّ عَدَدِىٌّ، فَبَيَّنْتُ فَسَادُ فَهْمِ شَحْرُورِ لِلعِلْمِ الإحْصَائِىّ، وَأَنَّ الإحْصَاءَ فِى القُرْءَانِ يُحِيطُ بِالمُحْصَى، وَأنَّ عِلْمَ اللهِ بِالأَشْيَاءِ لَيْسَ كَمَا قِيِلَ “عَدَدِىٌّ رِيَاضِىٌّ”، وَإنَّمَا هُوَ عِلْمٌ كَامِلٌ، شَامِلٌ لِكُلِّ شَيْءٍ، بِمَا فِى ذَلِكَ الألْوانِ وَالأحْجَامِ، والمُكَوِّنَاتِ الأَوَّلِيَّةِ، وَالأشْكَالِ، . . الخ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: ” وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)” النبأ.

وَأخْتِمُ هَذِهِ الخَاتِمَةَ بِالتَعْلِيقِ عَلَى الهُرَاءِ الَّذِى قَالَهُ شَحْرُور مُتَجَاوِزًا بِهِ فِى حَقِّ اللهِ تَعَالَى؛ فَقَالَ إنَّ الإنْسَانَ يُوجَدُ فِيهِ شَيىٌ مِن ذَاتِ اللهِ، وَأنَّ الإنْسَانَ فِيهِ روحٌ، وَأنَّ هَذِهِ الرُوحُ المَوجُودَةُ فِى الإنْسَانِ هِىَ جُزءٌ مِن ذَاتِ اللهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا أمْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ الإنْسَان. فَجَعَلَ شَيئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ فِرعَون (مَثَلاً) وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى (وَحَاشَاه). وَهُوَ كَلاَمٌ يَخْرُجُ كَسَابِقِه، وبِنَفْسِ جِينَاتِهِ وَمَلاَمِحِهِ: فَهُوَ كَلاَمٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلاَ هُدَىً، وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ، بَل وَلاَ أتَجَاوزُ إذَا مَا قُلْتُ إنَّهُ كَلاَمٌ بِجَهْلٍ، وَافْتِرَاءٍ، وَلا يَقَفُ أمَامَ النَقْدِ العِلْمِىّ وَلاَ لِلَحظَةٍ وَاحِدَةٍ، إذ يَقْبَعُ تَحتَ مَظَلَّةِ البَاطِل، والبَاطِلُ كَمَا نَعْرِفُ زَهُوقٌ لاَ نَفَسَ لَهُ.

يَقُولُ شَحْرُور:

“الإنسان خليفة الله في الأرض وأنه يوجد في الإنسان وليس في الكائنات الحية الأخرى شيء من ذات الله وهو الروح وبها أصبح خليفة الله في الأرض واكتسب المعارف وأصبح قادرا على المعرفة والتشريع. هذه النقطة إذا نسيناها فإن السلوك الإنساني سيتحول إلى مجموعة من الصور المتحركة يديرها الذي صممها “أفلام كرتون”. ولكن إذ قلنا إن هناك أمرا مشتركا بين الله والإنسان وهو الروح، أي إذا قلنا إن الصور المتحركة فيها شيء من ذات المصمم لتغير الأمر” (18).

انْظُرُوا إلَى الفَهْمِ الضَيِّقِ، والتَهَوُّرِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَكَأنِّى بِالمَذْكُورِ لَمْ يَمُرُّ وَلاَ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

..لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌۭ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴿١١﴾ الشورى.

إنَّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: “فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى“، لاَ يَعْنِى أنَّ الرُوحَ مِن مُكَوِّنَاتِ اللهِ، وَأَنَّهُ قَدْ نَفَخَ فِى البَشَرِ جُزْءًا مِنْهَا، وَإنَّمَا هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

..فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًۭا سَوِيًّۭا ﴿١٧﴾ مريم.

فَهَلْ الرُوحُ المُرْسَلُ هُنَا هُوَ جُزْءٌ مِن ذَاتِ اللهِ، أم خَلْقٌ مِن خَلْقِ اللهِ؟!

وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَ‌ٰنَ ٱلَّتِىٓ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا…﴿١٢﴾ التحريم.

نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ الشعرآء.

أنَا لاَ أدْرى كَيْفَ سَيَكُونُ مَوْقِفُ قَائِلُ هَذَا يَومَ الحَشْر، وَهُوَ الَّذِى كَانَ يَدعُوا النَّاسَ فِى الدُنيَا لِلتَقَوُّل عَلَى اللهِ (مِثْلَهُ) بِغَيْر عِلْم، فَأَسَاء وَأَضَلّ.

يَا شَحْرُور تَرَاجَع عَن قَوْلِكَ هَذَا، وَأعْلِن عَن تَرَاجُعِكَ عَلَى المَلأِ، وَاسْتَغْفِر اللهَ عَسَىَ أن يَغْفِرَ اللهُ لَك، فَإنَّ الأمْرَ شَدِيدٌ، وَلَنْ يَنْفَعُكَ أنْ تَقُولَ كَنْتُ أحْسَبُ، وَكُنْتُ أظُنُّ.

إنَّ الكَلاَمَ فِى ذَاتِ اللهِ، وَفِى أسْمَائِهِ، لَيْسَ بِالأَمْرِ الهَيِّنِ، والمَيْلُ بِمَعْنَى اسْمٌ مِنْ أسْمَاءِ اللهِ قَالَ تَعَالَى عَنْهُ:

وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَـٰٓئِهِۦ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿١٨٠﴾ الأعراف.

وَكَذَلِكَ المَيْلُ بِمَعْنَى ءَايَةٍ مِنْ ءَاياتِ اللهِ قَالَ تَعَالَى عَنْهُ:

إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ ءَايَـٰتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِىٓ ءَامِنًۭا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۚ ٱعْمَلُوا۟ مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٤٠﴾ فصلت.

قَدْ نَبَّهْتُكَ فِى الدُنْيَا، وَعَلَى المَلأِ، فَإنْ انْتَبَهْتَ فَلِنَفْسِكَ، وإنْ اسْتَكْبَرتَ فَلْتَلْقَ مَا سَتَلْقَاهُ.

أنْتَ الَّذِى سَتَحْمِلُ أوْزَارِكَ يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ إلاَّ مَنْ أتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيِمٍ، وَإنِّى لأدعُوَا اللهُ لَكَ ولأخِى عَبْد العَزِيِزِ الشِرْبِينِى أنْ تَسْتَدْرِكَا قَبْلَ أنْ تُوَافِى المَنِيَّةُ أحَدَكُمَا، لاَ سِيَّمَا وَأنَّنَا كُلَّنَا صِرْنَا فِى نِهَايَاتِ أعْمَارِنَا.

اللَّهُمَ قَدْ بَلَّغْتُ بِمَا فِى كِتَابِكَ، وَلاَ رَأىٌ شَخْصِىٌّ لِى هَا هُنَا؛ فَاغْفِر لِى وَارحَمْنِى، وَارْزُقْنِى مِن لَدُنْكَ وَلِيًّا نَصِيرًا، وَءَاخِرُ دَعْوَاىَ أنْ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

1 ـ انظُر: الشربينى؛ آيات رحمانية وحكمة شيطانية (ص: 320 ـ 336).

2 ـ انظُر: شحرور؛ الكِتاب والقُرآن (ص: 385، وَمَا بَعْدَهَا).

3 ـ وَانْظُر لِهَذَا الكَلاَم الّذِي لاَ يُقْنِعُ فِي:سِفْر التَكْوين: إصْحَاح 6 ـ عَدَد (5 ـ 7) (ترجمة الفانديك)، وفيه:

“ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض وأن كل تصور أفكار قلبه أنما هو شرير كل يوم. فحزن الرب أنه عمل الانسان في الأرض وتأسف في قلبه. فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته: الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء. لأني حزنت أني عملتهم”.

4 ـ يَقُولُ الكِلِينى بِأُصول الكافى (ص 40 ـ ط : الهند): عن أبى عبد الله عليه السلام: “ما تنبأ نبى قط حتى يُقر لله بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود، والعبودية، والطاعة”.

وعن الرضا عليه السلام: “ما بعث الله نبياً إلا بتحريم الخمر وأن يُقرّ لله بالبداء”. وانظر: الكافى للكلينى ـ كتاب التوحيد (1/148). ثم ساق من الروايات ما يوضح معنى البداء لله فكان من ذلك: عن أبى جعفر عليه السلام أنه قال: “يا ثابت إن الله تبارك وتعالى وقت هذا الأمر فى السبعين، فلما أن قُتل الحسن صلوات الله عليه اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة …”، وانظر: أصول الكافى للكلينى: (ص 232 ـ ط: الهند).

5 ـ وَمَا نَصَّ عَلَيِّهِ القُرْءَان هُنَا ذَكَرَهُ الفِيزْيَائِي الشَهير “بُول دِيفِس”؛ فَقَالَ بأَنَّ وُجُودَ خَالِق لِلكَوْنِ يَتَطَلَّبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الخَالِق خَارجَ الزَّمَان وَالمَكَانِ، وَقَالَ أيْضًا:

“إن هذا يتطلب أيضًا أن يكون هذا الخالق ممسكًا بالكون في كل لحظة ليبقيه في حيز الوجود”.

وَرَاجِع (تَفَضُلاً) بَحْث “الزمان والنسبية . . دلالات وتأملات” لِلدُكْتُور/ عدنان محمد فقيه عَلَى مَوْقِع رابطة العالم الإسلامي/ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي: http://www.eajaz.org قَارن ذَلِكَ بقَوْلِهِ تَعَالَى: ” إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا..” تَجِد أنَّ العِلْمَ قَدْ انتَهَى إلَى مَا قَرَّرَهُ الحَقُّ تَعَالَى بكِتَابهِ الكَريم.

أيْضًا فَإنَّهُ سَيَأَتِي يَوْمٌ يَتَحَلَّلُ فِيهِ النِظَامُ الكَوْنِيُّ؛ فَلاَ سَمَاءٌ فِيهِ وَلاَ أرْضٌ، وَلاَ زَمَانٌ وَلاَ مَكَانٌ، وَلاَ لَيْلٌ وَلاَ نَهَارٌ، فَكَيْفَ سَيَكُونُ هَذَا الزَّمَانُ وَقَدْ كُوِّرَتُ الشَمْسُ، وَانكَدَرَتُ النُجُومُ، وَانْتَثَرَتُ الكَوَاكِبُ، وَنُسِفَتُ الجِبَالُ، وَانْشَقَّتُ السَمَاءُ وَانْفَطَرَتُ وَكُشِطَتُ، ..الخ:

“إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿٣﴾ وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿٤﴾ وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿٥﴾ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿٦﴾ وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧﴾ وَإِذَا ٱلْمَوْءُۥدَةُ سُئِلَتْ ﴿٨﴾ بِأَىِّ ذَنۢبٍۢ قُتِلَتْ ﴿٩﴾ وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿١٠﴾ وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ ﴿١١﴾” التكوير.

“إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿٣﴾” الانفطار.

6 ـ فَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْنَوىٌّ فَلأَنَّهُ يُعْقَلُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِيزْيَائِىٌ فَلأَنَّه لَهُ عِلاَقَةٌ مُبَاشِرَةٌ بِالحَرَكَةِ، سَوَاءٌ بِحَرَكَةِ الأشْيَاءِ مِن حَوْلِنَا، أوْ بِحَرَكَةِ الأَرْضِ حَوْلَ نَفْسِهَا، وَحَوْلَ الشَمْسِ، مَا يَنْتُج عَنْهُ تَعَاقُبَ الَّيلِ وَالنَّهَارِ، فَالأَيَّامِ والسِنِين. وَأَمَّا كَوْنُهُ مَسْرَحًا لِلأَحْدَاثِ فَلأَنَّ كُلَّ الأشْيَاءَ تَحْدُثُ فِيِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ ذُو اتِجَاهٍ وَاحِدٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (ظَاهِرًا) ثَلاَثَةُ أحْوَالٍ، وَهُم المَاضِى، والحَاضِرِ، وَالمُسْتَقْبَلِ.

7 ـ فَطِبقًا لِنَظَريَّةِ النِسْبِيَةِ الخَاصَّةِ فَإنَّ قِيَاسَاتِنَا لِلأَحْدَاثِ الَّتِي تَقَعُ فِيهِ فَهِيَ دَائِمًا نِسْبيَةً، حَيثُ لاَ يُوجَدُ حَدَثَان مُتَزَامِنَان مَا دَامَ يَفْصِلُ بَيْنِهِمَا مَسَافَةً. فَمَا يَحْدُثُ “الأَنَ” بالنِسْبَةِ لِـ: “س” يَحْدُثُ “بَعْدَ” أَوْ “قَبْلَ” بالنِسْبَةِ لِغَيْرهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ سُرْعَةَ سَيَّارَةٍ هِيَ 60 كم/سَاعَة فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْنِي سُرْعَتَهَا بالنِسْبَةِ لِلأَرضِ (المُتَحَرِّكَةِ هِيَ أيْضًا) وَإذَا قُلْنَا إنَّ سُرْعَةَ الأَرْض هِيَ 29كم/ثانِيَةٍ فَإنَّنَا نَعْنِي سُرْعَتَهَا بالنِسْبَةِ لِلشَمْس (المُتَحَرِّكَةِ هِيَ أيضًا) وَهَكَذَا بالنِسْبَةِ لِلشَمْس وَلأي جسْم ءَاخَر فِي هَذَا الكَوْن، مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ إذا كَانَ هُنَاكَ مَرْجِعٌ مُطْلَقٌ فَلاَ بُدَّ أَنْ نَبْحَثَ عَنْهُ خَارج الكَوْن وَلَيْسَ دَاخِلَهُ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ غِيَابُ المَرْجِعِيَّةِ المُطْلَقَةِ دَاخِل الكَوْن. فَإلغَاءُ مُطْلَقِيَّةِ الزَمَان وَالمَكَان يُفْرغُ هَذَا الكَوْن مِن أيّ مَرْجِعِيَّةٍ ذَاتِيَةٍ فِيهِ.

8 ـ وَإنْ كُنتُ مُتَأكِّدًا مِن أنَّ شَحْرُورَ وَأقْرَانَهُ مِن القَائِلينَ بِهَذَا الهُرَاء لَمْ تَتَطَرَّقُ أذْهَانُهُم إلَى مِثْلِ هَذِهِ الدَقَائِقِ.

9 ـ ” هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ “ يونس 22.

10 ـ لاَسِيَّمَا أنَّ المَوقِف لَم يَكُن قَدْ حَدَثَ بَعْد لِيُقَال أنَّ اللهَ قَدْ عَلِمَ أنَّ فِرْعَون سَيَضْمُرُ كَذَا مِن عَدَمِهِ.

11 ـ وَلِتَقْريِبِ المَسْأَلَةِ إلَى الذِهْنِ فَنَقُولُ: إنَّ “س” مِن النَّاس قَامَ بقَطْعِ شَرَايين يَدِهِ، فَلَوْ ظَلَّ يَنْزِفَ فَسَيَحْدُثُ هُبُوطًا حَادًّ فِى الدَوْرَةِ الدَمَويَّةِ يُؤَدِّى إلَى تَوَقُّفِ القَلْبِ؛ فَالمَوْتِ. وَبِالتَالِى يَكُونُ قَدْ حَدَثَ هُنَا أمْرَان؛ أحَدُهُمَا أنَّ المُنْتَحِرَ قَدْ أنْقَصَ عُمُرَهُ، وَالثَانِى أنَّ أجَلَهُ لَم يَتَأخّر لَحْظَةً عِنْدَمَا حَانَ. وَلَوْ قُلْنَا إنَّ “ص” مِن النَّاس دَخَلَ عَلَيِّهِ وَقَامَ برَبطِ يَدِهِ فَأوْقَفَ النَزيفَ، فَلَن يَكْتَمِل الانْتِحَار، وَلَن يَحِينَ الأَجَلُ، وَلَن يَنْقُصَ العُمُرَ.

12 ـ وَمِثلُ هَذَا الْدَلِيلِ ءَايَاتٍ كَثِيرَةٍ كُلّهَا تَتَحَدَّث عَن أحْدَاثٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، يُبَلِّغُ اللهُ رَسُولَهُ والمُؤمِنُونَ بِهَا، وَتَحْدُثُ عَلَى التَمَام، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
“يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ.. ” التوبة (94).

13 ـ لاَحِظ أنَّهُ لَم يَقُل: “وَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُم تَأكُلُون” بِحَيث يَتَّجِهُ الإنْبَاءُ إلَى المَاضِى، وَإنَّمَا انْصَبَّ إنْبَاؤُهُ عَلَى المُسْتَقْبَلِ، كَمَا قالَ يُوسُفُ لِصَاحِبَىِّ السِجْنِ:
“قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي..” يوسف (37).
14 ـ وَمِن ذَلِكَ أيْضًا مَا نَقَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ يُوسُف، عِنْدَمَا قُصَّت عَلَيْهِ رُؤيَا المَلِك:
“وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)” يوسف.
فَعَلِمَ مِنْهَا يُوسُفُ تَفَاصِيلَ كَثِيرَةً، وَمَا يَهُمُّنَا مِنهَا هُوَ مَا يَخُصُّ أعْمَال العِبَادِ:
“قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا.. (47)” يوسف.
15 ـ وهو كقوله تعالي: ” وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةًۭ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًۭا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًۭا ﴿٤٩﴾” الكهف .
فالقوم قد سَلَّموا بالواقع، وهاهم يتذكرون كل ما مرّ على ذاكرتهم، ويُعرض أمامهم من أعمالهم التي اكتسبوها، وبالتالي فاللهُ تعالى عندهم يعلم، والذي جعله سبحانه (عندهم) يعلم، هو الوجود الذي وُجِدُوه، والأعمال التي عملوها، ولولا ذلك التحقق الوجودي، لما سلّم أهل النار (مثلاً) بمألهم، ولما سلَّموا بعلمِ اللهِ تعالى من كونِهِم يستحقون النار لفساد طويتهم.

16 ـ راجِع الكَلاَم بِتَمَامِهِ، وَلَن تَجِدَ أى فَرق ذُو أهَمْيَّةِ.

17 ـ والتَفَاصِيلُ هُنَا يَصْعُبُ حَصْرُهَا، وَلَكِن لِنَقُل إنَّ مِنْهَا أسْمَاءَهُم، وَأنْوَاعَهُم، وَألْوَانَهُم، وَأعْمَارَهُم، وَمَلاَمِحَهُم، وَأوْزَانَهُم، وَاَطْوَالَهُم، وَعَاهَاتِهِم، وَأمْرَاضَهُم، وَطُمُوحَاتِهِم، وَعَدَدَ خَلايَهُم، وَجِينَاتِهِم، وَفَصَائِلَ دِمَائِهِم، وَبَصَمَاتِ أصابِعَهُم، وَأصْوَاتِهِم، وَمَا هُوَ أدَقَّ مِن ذَلِكَ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللهُ تَعَالَى.

18 ـ انظُر: شحرور؛ الكِتاب والقُرآن (ص: 390).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ءَايَاتُ القُرْءَانِ الَّتِى تَمَّ تَرْتِيِلُهَا فِى هَذَا الرَّدِ وَيَبلُغُ مَجْمُوعُهَا أَكْثَر مِنْ مِئَة وخَمْسِيِنَ ءَايَةِ:

“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُۥٓ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿٩٤﴾” المائدة. “ٱلْـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًۭا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةٌۭ صَابِرَةٌۭ يَغْلِبُوا۟ مِا۟ئَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌۭ يَغْلِبُوٓا۟ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ ﴿٦٦﴾” الأنفال.

“۞ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًۭا ﴿٤١﴾” فاطر.
“.. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ ﴿٤﴾” الحديد.“.. إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ ﴿٤٦﴾” طه.
“أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿٦٢﴾” النمل.
“قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًۭا وَخُفْيَةًۭ لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍۢ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٦٤﴾” الأنعام (9).
“تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ ﴿٤﴾” المعارج.
“وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ ﴿٢١٧﴾ ٱلَّذِى يَرَىٰكَ حِينَ تَقُومُ ﴿٢١٨﴾” الشعراء.
“قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَـٰدِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِىٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ ﴿١﴾” المُجَادِلَة.
“وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَـٰتِنَا وَكَلَّمَهُۥ رَبُّهُۥ قَالَ رَبِّ أَرِنِىٓ أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَىٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرْ إِلَى ٱلْجَبَلِ فَإِنِ ٱسْتَقَرَّ مَكَانَهُۥ فَسَوْفَ تَرَىٰنِى ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُۥ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُۥ دَكًّۭا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًۭا ۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٤٣﴾” الأعراف.
“أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ ۖ …﴿٥٤﴾” النساء.
“وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ هُوَ خَيْرًۭا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّۭ لَّهُمْ ۖ …﴿١٨٠﴾” ءال عمران.
“إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍ ﴿١٥﴾ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ ۚ …﴿١٦﴾” الذاريات.
“إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍۢ وَنَعِيمٍۢ ﴿١٧﴾ فَـٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمْ رَبُّهُمْ …﴿١٨﴾” الطور.
“أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿١﴾” النحل.
“وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِىٓ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُۥ فَقَدْ عَلِمْتَهُۥ ۚ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَآ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ ﴿١١٦﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَآ أَمَرْتَنِى بِهِۦٓ أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًۭا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾”.
“وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِى ٱلنَّارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًۭا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًۭا مِّنَ ٱلنَّارِ ﴿٤٧﴾ قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُلٌّۭ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ ﴿٤٨﴾ وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِى ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُوا۟ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًۭا مِّنَ ٱلْعَذَابِ ﴿٤٩﴾ قَالُوٓا۟ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ ۖ قَالُوا۟ بَلَىٰ ۚ قَالُوا۟ فَٱدْعُوا۟ ۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُا۟ ٱلْكَـٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَـٰلٍ ﴿٥٠﴾”.
“وَنَادَىٰٓ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّۭا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّۭا ۖ قَالُوا۟ نَعَمْ ۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌۢ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٤٤﴾ ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًۭا وَهُم بِٱلْءَاخِرَةِ كَـٰفِرُونَ ﴿٤٥﴾ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌۭ ۚ وَعَلَى ٱلْأَعْرَافِ رِجَالٌۭ يَعْرِفُونَ كُلًّۢا بِسِيمَىٰهُمْ ۚ وَنَادَوْا۟ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴿٤٦﴾ ۞ وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُوا۟ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٤٧﴾ وَنَادَىٰٓ أَصْحَـٰبُ ٱلْأَعْرَافِ رِجَالًۭا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَىٰهُمْ قَالُوا۟ مَآ أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ﴿٤٨﴾ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٤٩﴾ وَنَادَىٰٓ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا۟ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ ۚ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿٥٠﴾”.“فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ يَتَسَآءَلُونَ ﴿٥٠﴾ قَالَ قَآئِلٌۭ مِّنْهُمْ إِنِّى كَانَ لِى قَرِينٌۭ ﴿٥١﴾ يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ ﴿٥٢﴾ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًۭا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ﴿٥٣﴾ قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ ﴿٥٤﴾ فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِى سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ ﴿٥٥﴾ قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴿٥٦﴾ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّى لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴿٥٧﴾ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴿٥٨﴾ إِلَّا مَوْتَتَنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٥٩﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴿٦٠﴾ لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَـٰمِلُونَ ﴿٦١﴾”.
“وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا۟ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿٢٢﴾”.
“وَمَنْ خَفَّتْ مَوَ‌ٰزِينُهُۥ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ فِى جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ ﴿١٠٣﴾ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَـٰلِحُونَ ﴿١٠٤﴾ أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴿١٠٥﴾ قَالُوا۟ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًۭا ضَآلِّينَ ﴿١٠٦﴾ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ ﴿١٠٧﴾ قَالَ ٱخْسَـُٔوا۟ فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ﴿١٠٨﴾ إِنَّهُۥ كَانَ فَرِيقٌۭ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّ‌ٰحِمِينَ ﴿١٠٩﴾ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ ﴿١١٠﴾ إِنِّى جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوٓا۟ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ ﴿١١١﴾ قَـٰلَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى ٱلْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴿١١٢﴾ قَالُوا۟ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍۢ فَسْـَٔلِ ٱلْعَآدِّينَ ﴿١١٣﴾ قَـٰلَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًۭا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١١٤﴾”.
“۞ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا۟ لَا عِلْمَ لَنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ ﴿١٠٩﴾” المَائِدَةِ.“إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَ‌ٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰٓ إِثْمًا عَظِيمًا ﴿٤٨﴾” النساء.
“وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٦٥﴾” الزمر.
“وَإِن كَادُوا۟ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ ۖ وَإِذًۭا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًۭا ﴿٧٣﴾ وَلَوْلَآ أَن ثَبَّتْنَـٰكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـًۭٔا قَلِيلًا ﴿٧٤﴾ إِذًۭا لَّأَذَقْنَـٰكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَوٰةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًۭا ﴿٧٥﴾” الإسراء.
“إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًۭا مُّبِينًۭا ﴿١﴾ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَ‌ٰطًۭا مُّسْتَقِيمًۭا ﴿٢﴾” الفتح.
“وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٦٥﴾” الزُّمَر.
“وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّۦنَ لَمَآ ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَـٰبٍۢ وَحِكْمَةٍۢ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌۭ مُّصَدِّقٌۭ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥ ۚ قَالَ ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَ‌ٰلِكُمْ إِصْرِى ۖ قَالُوٓا۟ أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَٱشْهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ ﴿٨١﴾ فَمَن تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذَ‌ٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ ﴿٨٢﴾” ءَال عِمْرَان.
“عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿١٨﴾” التغابن.
“.. إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰٓ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰٓ ﴿٣٨﴾ أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّۭ لِّى وَعَدُوٌّۭ لَّهُۥ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةًۭ مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِىٓ ﴿٣٩﴾” طه.
“..فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱلْيَمِّ وَلَا تَخَافِى وَلَا تَحْزَنِىٓ ۖ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿٧﴾” القصص.“..وَلَا تَقْتُلُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًۭا ﴿٢٩﴾” النساء.
“وَٱللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍۢ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍۢ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَ‌ٰجًۭا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِۦ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍۢ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِۦٓ إِلَّا فِى كِتَـٰبٍ ۚ إِنَّ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌۭ ﴿١١﴾” فاطر.
“يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلْمًۭا ﴿١١٠﴾” طه.
“يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلْأُمُورُ ﴿٧٦﴾” الحج.
“وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا۟ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةًۭ ضِعَـٰفًا خَافُوا۟ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُوا۟ قَوْلًۭا سَدِيدًا ﴿٩﴾” النساء.
“سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَ‌ٰلُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ …﴿١١﴾” الفتح.
“فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍۢ مِّنْهُمْ فَٱسْتَـْٔذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخْرُجُوا۟ مَعِىَ أَبَدًۭا وَلَن تُقَـٰتِلُوا۟ مَعِىَ عَدُوًّا ۖ إِنَّكُمْ رَضِيتُم بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ فَٱقْعُدُوا۟ مَعَ ٱلْخَـٰلِفِينَ ﴿٨٣﴾” التوبة.
“سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ ۖ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا۟ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ۚ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَ‌ٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ ۖ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ۚ بَلْ كَانُوا۟ لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًۭا ﴿١٥﴾” الفتح.“وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًۭا شَدِيدًۭا ۚ كَانَ ذَ‌ٰلِكَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ مَسْطُورًۭا ﴿٥٨﴾” الإسراء.
“وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًۭا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَـٰلِمُونَ ﴿١٤﴾” العنكبوت.
“فَفَتَحْنَآ أَبْوَ‌ٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا ٱلْأَرْضَ عُيُونًۭا فَٱلْتَقَى ٱلْمَآءُ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾”القَمَر.
“لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا۟ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَ‌ٰلِكَ فَتْحًۭا قَرِيبًا ﴿٢٧﴾” الفتح.
“وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ فِى ٱلْكِتَـٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّۭا كَبِيرًۭا ﴿٤﴾ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًۭا لَّنَآ أُو۟لِى بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ فَجَاسُوا۟ خِلَـٰلَ ٱلدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًۭا مَّفْعُولًۭا ﴿٥﴾” الإسراء.
“..فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلْءَاخِرَةِ لِيَسُۥٓـُٔوا۟ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا۟ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَلِيُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوْا۟ تَتْبِيرًا ﴿٧﴾” الإسراء.
“وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًۭا ۚ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍۢ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوكَ يُجَـٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّآ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٢٥﴾ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْـَٔوْنَ عَنْهُ ۖ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٢٦﴾ وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ وُقِفُوا۟ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُوا۟ يَـٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿٢٧﴾ بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا۟ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا۟ لَعَادُوا۟ لِمَا نُهُوا۟ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ ﴿٢٨﴾”الأَنْعَامِ.
“وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ ءَامَنَ …﴿٣٦﴾” هود.
“ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَ‌ٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾” الطلاق.
“وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًۭا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَظَلُّوا۟ فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴿١٤﴾ لَقَالُوٓا۟ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَـٰرُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌۭ مَّسْحُورُونَ ﴿١٥﴾” الحجر.
“وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّۭا لَّقَالُوا۟ لَوْلَا فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥٓ ۖ …﴿٤٤﴾” فصلت.“…وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَٱخْتَلَفْتُمْ فِى ٱلْمِيعَـٰدِ ۙ …﴿٤٢﴾” الأنفال.
“…وَلَوْ أَرَىٰكَهُمْ كَثِيرًۭا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ…﴿٤٣﴾” الأنفال.
“وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰبًۭا فِى قِرْطَاسٍۢ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا سِحْرٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿٧﴾” الأنعام.
“وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـٰهُم بِعَذَابٍۢ مِّن قَبْلِهِۦ لَقَالُوا۟ رَبَّنَا لَوْلَآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًۭا فَنَتَّبِعَ ءَايَـٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ ﴿١٣٤﴾” طه.
“..وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿٨٠﴾” الأنعام.“وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍۢ مُّحِيطًۭا ﴿١٢٦﴾” النساء.
“إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًۭا ﴿٩٨﴾” طه.
“وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَ‌ٰٓءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِـَٔايَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّىٓ أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًۢا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۖ وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ وَأُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَءَايَةًۭ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٤٩﴾” ءَال عمران.
“يَـٰصَىٰحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُۥ خَمْرًۭا ۖ وَأَمَّا ٱلْءَاخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِۦ ۚ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴿٤١﴾” يوسف.
“فَأَتَتْ بِهِۦ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُۥ ۖ قَالُوا۟ يَـٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْـًۭٔا فَرِيًّۭا ﴿٢٧﴾ يَـٰٓأُخْتَ هَـٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍۢ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّۭا ﴿٢٨﴾ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا۟ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِى ٱلْمَهْدِ صَبِيًّۭا ﴿٢٩﴾”.
“قَالَ إِنِّى عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّۭا ﴿٣٠﴾ وَجَعَلَنِى مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَـٰنِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّۭا ﴿٣١﴾ وَبَرًّۢا بِوَ‌ٰلِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًۭا شَقِيًّۭا ﴿٣٢﴾ وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّۭا ﴿٣٣﴾”.
“وَكَذَ‌ٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ…﴿٦﴾” يُوسُف.
“..وَكَذَ‌ٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُۥ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ…﴿٢١﴾” يُوسُف.
“۞ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ…﴿١٠١﴾” يُوسُف.
“إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَـٰٓأَبَتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًۭا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَـٰجِدِينَ ﴿٤﴾ قَالَ يَـٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا۟ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لِلْإِنسَـٰنِ عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ ﴿٥﴾” يوسف.
“فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُوا۟ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ ﴿٩٩﴾ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّوا۟ لَهُۥ سُجَّدًۭا ۖ وَقَالَ يَـٰٓأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَـٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّۭا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِىٓ إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِنۢ بَعْدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىٓ ۚ إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌۭ لِّمَا يَشَآءُ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾” يُوسُف.“فَوَجَدَا عَبْدًۭا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَـٰهُ رَحْمَةًۭ مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًۭا ﴿٦٥﴾” الكهف.
“وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَـٰنًۭا وَكُفْرًۭا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًۭا مِّنْهُ زَكَوٰةًۭ وَأَقْرَبَ رُحْمًۭا ﴿٨١﴾ وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَـٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٌۭ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـٰلِحًۭا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةًۭ مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَ‌ٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًۭا ﴿٨٢﴾” الكهف.
“ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ ﴿٤٣﴾ فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًۭا لَّيِّنًۭا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴿٤٤﴾” طه.
“..يَأْخُذْهُ عَدُوٌّۭ لِّى وَعَدُوٌّۭ لَّهُۥ ۚ…﴿٣٩﴾” طه.
“وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًۭى وَلَا كِتَـٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ ﴿٨﴾ ثَانِىَ عِطْفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ لَهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ ۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿٩﴾ ذَ‌ٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٠﴾” الحج.
“وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴿١١٦﴾” الأنعام.
“إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَاوَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا ﴿٧٢﴾” الأحزاب.
“إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌۭ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌۭ مِّثْلُهُۥ ۚ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿١٤٠﴾” ءال عمران .
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَىْءٍۢ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُۥٓ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُۥ بِٱلْغَيْبِ ۚ…﴿٩٤﴾” المائدة.
“ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَ‌ٰتٍۢ وَمِنَ ٱلْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾” الطلاق.“وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴿٦﴾” محمد
“فَفَتَحْنَآ أَبْوَ‌ٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٍۢ مُّنْهَمِرٍۢ ﴿١١﴾ وَفَجَّرْنَا ٱلْأَرْضَ عُيُونًۭا فَٱلْتَقَى ٱلْمَآءُ عَلَىٰٓ أَمْرٍۢ قَدْ قُدِرَ ﴿١٢﴾” القمر.
” وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ ءَامَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ ﴿٣٦﴾ وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَـٰطِبْنِى فِى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ ۚ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴿٣٧﴾ وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌۭ مِّن قَوْمِهِۦ سَخِرُوا۟ مِنْهُ ۚ قَالَ إِن تَسْخَرُوا۟ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴿٣٨﴾ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌۭ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌۭ مُّقِيمٌ ﴿٣٩﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّۢ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءَامَنَ ۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٌۭ ﴿٤٠﴾ ۞ وَقَالَ ٱرْكَبُوا۟ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْر۪ىٰهَا وَمُرْسَىٰهَآ ۚ إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿٤١﴾ وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍۢ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُۥ وَكَانَ فِى مَعْزِلٍۢ يَـٰبُنَىَّ ٱرْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿٤٢﴾ قَالَ سَـَٔاوِىٓ إِلَىٰ جَبَلٍۢ يَعْصِمُنِى مِنَ ٱلْمَآءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ ﴿٤٣﴾ وَقِيلَ يَـٰٓأَرْضُ ٱبْلَعِى مَآءَكِ وَيَـٰسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِىِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًۭا لِّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿٤٤﴾”.
” .. لِتَعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَىْءٍ عِلْمًۢا ﴿١٢﴾” الطلاق.
“وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَـٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةًۭ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحْصَىٰهَا ۚ وَوَجَدُوا۟ مَا عَمِلُوا۟ حَاضِرًۭا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًۭا ﴿٤٩﴾” الكهف.“إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَ‌ٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْدًۭا ﴿٩٣﴾ لَّقَدْ أَحْصَىٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّۭا ﴿٩٤﴾” مريم.
“لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا۟ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَىْءٍ عَدَدًۢا ﴿٢٨﴾” الجن.
“وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ كِتَـٰبًۭا ﴿٢٩﴾” النبأ.
“لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌۭ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿١٨١﴾” ءال عمران.“أَفَرَءَيْتَ ٱلَّذِى كَفَرَ بِـَٔايَـٰتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًۭا وَوَلَدًا ﴿٧٧﴾ أَطَّلَعَ ٱلْغَيْبَ أَمِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْدًۭا ﴿٧٨﴾ كَلَّا ۚ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُۥ مِنَ ٱلْعَذَابِ مَدًّۭا ﴿٧٩﴾” مريم.
“أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَىٰهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴿٨٠﴾” الزخرف .
“وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًۭا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴿٢٢﴾ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّآ أَن قَالُوا۟ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴿٢٣﴾ ٱنظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا۟ يَفْتَرُونَ ﴿٢٤﴾” الأنعام.
“ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰٓ أَفْوَ‌ٰهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴿٦٥﴾” يس.
“وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٩﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿٢٠﴾ وَقَالُوا۟ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوٓا۟ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِىٓ أَنطَقَ كُلَّ شَىْءٍۢ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍۢ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَآ أَبْصَـٰرُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًۭا مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴿٢٢﴾ وَذَ‌ٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِى ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَىٰكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٢٣﴾” فصلت.“يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿٢٤﴾ يَوْمَئِذٍۢ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ ﴿٢٥﴾” النور.
“..أُو۟لَـٰٓئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا۟ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَـٰلَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًۭا ﴿١٩﴾” الأحزاب.
“وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿١٠٣﴾” يوسف.
“أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِمْ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتْ أَعْمَـٰلُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَزْنًۭا ﴿١٠٥﴾” الكهف.
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًۭا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿٨٤﴾” النحل.
“..لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌۭ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴿١١﴾” الشورى.“..فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًۭا سَوِيًّۭا ﴿١٧﴾” مريم.
“وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَ‌ٰنَ ٱلَّتِىٓ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا…﴿١٢﴾” التحريم.
“نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾” الشعراء.
“وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا۟ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ أَسْمَـٰٓئِهِۦ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿١٨٠﴾” الأعراف.
“إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِىٓ ءَايَـٰتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ ۗ أَفَمَن يُلْقَىٰ فِى ٱلنَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِىٓ ءَامِنًۭا يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۚ ٱعْمَلُوا۟ مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُۥ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٤٠﴾” فصلت.
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x