الكافرون

الكُفْرُ مِنْ: “كَ فْ ر”، وَهُوَ فِعْلُ تَغْطِيَةٍ، وَهُوَ بِالإِنْجِلِيِزِيَّةِ بِنَفْسِ المُسَمَّى”COVER“، وَأُطْلِقَ فِى كِتَابِ اللهِ عَلَى فِعْلِ الجَحْدٍ وَتَغْطِيَةِ الحَقٍّ مِنْ بَعْدِ ظُهُورِهِ. وَالكُفَّارُ اسْمُ جَمْعٍ، مُفْرَدُهُ كَافِرٌ. وَهُوَ فَاعِلُ الكُفْرِ.

● وَالكُفَّارُ هُمْ طَائِفَةٌ سُلُوكِيَّةٌ نَوْعِيَّةٌ تَنْتَشِرُ عَبْرَ الزَّمَانِ، وَالطَّوَائِفِ. وَتُحَارِبُ كُلِّ رِسَالَةٍ بِلاَ هَوَادِةٍ، بَدْءًا مِنْ زَمَنِ أوَّلِ نُبُوَّةٍ، وَحَتَّى انْتِهَآءِ الدُّنْيَا.

● وَالكَافِرُ هُوَ تَابِعٌ وَمَتْبُوعٍ، فَهُوَ تَابِعٌ لِلطَّاغُوتِ، وَمَتْبُوعٍ مِنَ المُشْرِكِيِنَ، وَلِذَا فَإِنَّ الكُفّارَ هُمْ الأَدَاةُ الَّتِي يَسْتَخْدِمُهَا الطَّاغُوتُ لإِضْلاَلِ جُمُوعِ وَعَوَامِّ النَّاسِ، حَيْثُ سَيَنْتَهِيَ دَوْرُهُ هُوَ بَعْدَ قَلِيلٍ لِيَبْدَأَ دَوْرُهُم إِلَي نِهَايَةِ الدُّنْيَا. وَقَدْ اكْتَسَبَ الكُفَّارُ هَذَا الاسْمُ مِنْ المُزَارِعِينَ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِتَغْطِيَةِالبُذُورَ لِتُصْبِحَ بِذَلِكَ مُسْتَعِدَّةٌ لِلإِنْبَاتِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَي (حَيْثُ الكُفَّارُهُمُ المُزَارِعُونَ):

ٱعْلَمُوٓا أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلْأَمْوَ‌ٰلِ وَٱلْأَوْلَـٰدِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ﴿٢٠﴾الحَدِيِد.

●ثُمَّ إِنَّ هَذَا الاسْمُ تَمَيَّزَ بِهِ مَنْ يَقُومَ بِمُحَارَبَةِ الحَقِّ وَهُوَ يَعْرِفُهُ، وَيَعْرَفُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِى عَلَي بَاطِلٍ، وَبِالتَّالِي فَهُوَ يَقُومُ بِتَغْطِيَةِ الحَقِّ عَنْ مَعْرِفَةٍ، خَوْفًا مِنْ وُصُولِهِ لأَتْبَاعِهِ مِنَ المُشْرِكِيِنَ، وَيَقُومُ بِزَخْرَفَةِ البَاطِلِ ابْتَغَآءَ أَنْ يَكُونَ عَلَي رَبِّهِ ظَهِيرًا “..وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرًا“، وَلِذَا فَإِنَّ الكَافِرَ يَخْتَارُ الإِضْلاَلَ، وَيُصَنَّفُ فِي المَغْضُوبِ عَلَيْهِم بِمَا يَعْرِفُهُ وَيَكْفُرُهُ.

● أشخاص الكفار:

المَلْمَحُ الأَوَّلُ لِأَشْخَاصِ الكُفَّارِ هُوَ أَنَّهُم يَقُومُونَ بِتَرْوِيِجِ مَا يَقْعِدُ صِرَاطَ اللهِ المُسْتَقِيمَ، لِيَصِلُوا بِذَلِكَ إِلَي هَدَفِ الطَّاغُوتِ المُعْلَن، وَيَكُونُونَ أَيْضًا قَدْ حَقَّقُوا مُوَالاَتِهِم لِلطَّاغُوتِ. وَفِي سَبِيِلِ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فَقَدْ قَامُوا عَلَي مَدَي عُمْرِ الرِّسَالاَتِ المَاضِيَةِ بِتَرْويِجِ الأَقْعَادِ، وَجَعْلِهِ عَلَي لِسَانِ الرُّسُلِ، وَبِمَا يُضَادّ كُتُبِ اللهِ، لِيُفَرِّقُوا بذَلِكَ بَيْنَ اللهِ تَعَالَي وَبَيْنَ رُسُلِهِ مِنْ خِلاَلِ المُنْتَجِ المُزَخْرَفِ المُخْتَلِفِ تَمَامَ الاخْتِلاَفِ عَنْ كَلاَمِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ، وَإِحْكَامِهِ:

إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍۢ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍۢ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَ‌ٰلِكَ سَبِيلًا ﴿١٥٠﴾ أُولَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ﴿١٥١﴾النِّسَآء.

وَالمَلْمَحُ الثَّانِي لِهَؤُلآءِ الكُفْارِ هُوَ أَنَّهُم يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ تَعَالَي غَيْرَهُ مِنَ المَخْلُوقِينَ مِنَ أَشْخَاصِ الطَّاغُوتِ، وَيَجْعَلُونَهُم نِدًّا للهِ، فَيُؤَلِّهُونَهُم، بِطَاعَتِهِم وَدَعْوَةِ تَابِعِيِهِم إِلَى طَاعَةِ هُؤُلآءِ الأَنْدَاد، وَيَجْعَلُونَهُم مَصْدَرًا لِعِبَادَاتِهِم، ثُمَّ يُزَخْرِفُونَ كُلَّ ذَلِكَ بِنِسْبَتِهِ لِلرُّسُلِ:

وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَـٰنَ لَهُۥ بِهِۦ فَإِنَّمَا حِسَابُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُفْلِحُ ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿١١٧﴾المؤمنون.

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴿٢٨﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ ﴿٢٩﴾ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِۦ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ ﴿٣٠﴾إِبْرَاهِيم.

وَكُلَّمَا نَزَلَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ تَعَالَي عَلَي أَحَدِ رُسُلِهِ قَامَ سَدَنَةُ المُنْتَج الطَّاغُوتِيِّ بِتَنْظِيرِ تَأخِيِرِ الكِتَابِ عَنْ تُرَاثِهِم. فَقَرَّرُوا الانْتِصَارَ لِلمَوْرُوثِ عَلَي حِسَابِ الكِتَابِ، بِزَعْمِ كَوْنِهِ لاَحِقٌ (بِزَعْمِهِم) عَلَي الأَيَاتِ، وَبِالتَّالِي فَقْدَ اخْتَرَعَ سَدَنَةَ الطَّاغُوتِ فِعْلَ الرَّسُولِ المَحْكِيِّ (افْتِرَآءً) عَلَيْهِ، كَمَرْجِعٍ لِلدِّيِنِ، يُقَدِّمُونَهُ عَلَي كِتَابِ اللهِ.

وَالمَلْمَحُ الثَّالِثُ لِهَؤُلآءِ الكُفَّارِ هُوَ أَنَّهُم لاَ يَحْتَكِمُونَ لِكِتَابِ اللهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَكِمُونَ لِمَا سَبَقَ لِلطَّاغُوتِ أَنْ رَوَّجَهُ عَلَي أنَّهُ قَوْلَ الرَّسُولِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ:

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُوا بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓا إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوٓا أَن يَكْفُرُوا بِهِۦ…﴿٦٠﴾البَقَرَة.

المَلْمَحُ الرَّابعُ لِهَؤُلآءِ الكُفَّارِ هُوَ أَنَّهُم يَكْرَهُونَ تَمَامًا أَنْ يُخْلِصَ أَيُّ بَشَرٍ دِيِنَهُ لِرَبِّهِ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَي:

فَٱدْعُوا ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ﴿١٤﴾غَافِر.

وَالمَلْمَحُ الخَامِسُ لِهَؤُلآءِ الكُفَّارِ هُوَ أَنَّهُم يَعْتَمِدُونَ عَلَي أَفْوَاهِهِم كَمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى دَمَوِيَّتِهِم فِي مُحَاوَلَتِهِم أَقْعَادِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ الَّذِي هُوَ نُورُ اللهِ تَعَالَي، وَهُوَ حَادِثٌ وَمُشَاهَدٌ، وَكُلُّ التُّرَاثِ الَّذِي يَحْتَوِي عَلَي مُحَاوَلاَتِ الأَقْعَادِ هُوَ نَقْلٌ فَمِّيٌّ، اسْتَخْدَمُوا فِيهِ أَفْوَاهِهِم. وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ تَعَالَي:

يُرِيدُونَ لِيُطْفِـُٔوا نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَ‌ٰهِهِمْ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿٨﴾الصَّف.

وَالمَلْمَحُ السَّادِسُ لِهَؤُلآءِ الكُفَّارِ هُوَ أَنَّهُم مُتَكَبِّرُونَ، مُتَعَالُونَ عَلَي الرِّسَالَةِ وَالرُّسُلِ ــ وَإِنْ أَظْهَرُوا بِخِلاَفِ ذَلِكَ لِتَمْشِيَةِ بَاطِلِهِم عِنْدَ السُّذَّجِ مِنَ المُشْرِكِينَ ــ، وَفِي ذَلِك يَقُولُ مَنْ إِيَّاهُ وَحْدَهُ أَعْبُدُ:

وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَ‌ٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءَايَـٰتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ۚ قَالُوا بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿٧١﴾قِيلَ ٱدْخُلُوٓا أَبْوَ‌ٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ﴿٧٢﴾الزُّمَر.

وَالمَلْمَحُ السَّابِعُ لِهَؤُلآءِ الكُفَّارِ هُوَ دَمَوِيَّتِهِم، حَيْثُ لاَ حُجَّةَ وَلاَ بُرْهَانَ عِنْدَهُم يُمْكِنُ أَنْ يَتَتَرَّسُوا بِهِ، فَيَقْفِزُونَ مُبَاشَرَةً إِلَي الحُكْمِ بِهَدْرِ دَمِّ مُخَالِفِهِم، ثُمَّ يَقُومُونَ بِتَنْفِيذِ سَفْكِ الدِّمَآءِ إِنْ اسْتَطَاعُوا لِذَلِكَ سَبِيِلاً، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ جَآءَتِ الأَيَاتُ تَحَضُّ المُؤْمِنِينَ عَلَي قِتَالِ هَؤُلآءِ الكُفْارِ الَّذِينَ لَنْ يَنْتَهُوا عَنْ عُدْوَانِهِم إِلاَّ إِذَا مَا شَعَرُوا بِأَنَّ عُدْوَانَهُم لَنْ يَمُرَّ بِسَلاَمٍ:

وَقَـٰتِلُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ ﴿١٩٠﴾ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَ‌ٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَـٰفِرِينَ﴿١٩١﴾البَقَرَة.

وَالمَلْمَحُ الثَّامِنُ لِهَؤُلآءِ الكُفَّارِ هُوَ أَنَّهُم غَيْرُ عُقَلآءٍ، لاَ يَنْتَفِعُونَ بِعُقُولِهِم وَلاَ حَتَّى أَسْمَاعِهِم، وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِذَلِكَ وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَآنِ:

وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴿٦﴾ إِذَآ أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ ﴿٧﴾ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ ٱلْغَيْظِ ۖ كُلَّمَآ أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿٨﴾ قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِى ضَلَـٰلٍۢ كَبِيرٍۢ ﴿٩﴾ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِىٓ أَصْحَـٰبِ ٱلسَّعِيرِ ﴿١٠﴾المُلْك.

وَهَذَا المَلْمَحُ بِالذَّاتِ يَنْعَكِسُ عَلَي مَا يُرَوِّجُونَهُ كَبَدِيلٍ لِكِتَابِ اللهِ.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ نَتَنَاوَلُ فِيِهَا الفَرْقَ بَيْنَ الكَافِرِ، وَالَّذِيِنَ كَفَرُوا، وَالكَفَّار، وَالكَفُورِ، …الخ .

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x