النِّسَآءُ 4

التَّدَبُّرُ الرَّابِعُ:

وَهُوَ مَا جَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَ‌ٰنِهِنَّ أَوْ بَنِىٓ إِخْوَ‌ٰنِهِنَّ أَوْ بَنِىٓ أَخَوَ‌ٰتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيْرِ أُولِى ٱلْإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَ‌ٰتِ ٱلنِّسَآءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوٓا إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٣١﴾النُّور.

فَسَنَجِدُ قَوْلَهُ تَعَالَى: “أَوْ نِسَآئِهِنَّ“، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “نِسَآؤُكُمْ“، “نِّسَآئِهِمْ“، “نِسَآئِكُمْ“، وَلَكِنَّهُ هُنَا سَيَخْتَلِفُ فِى المَعْنَى:

إذْ يَعْنِى ضَرُورَةً أنَّ المُؤْمِنَةَ (وَالَّتِى هِىَ مِنَ الإِنَاثِ مِنْ نَاحِيَةِ الجِنْسِ) لَهَا نِسَآءٌ (مِنْ نَاحِيَةِ الحَالَةِ)، تُعْتَبَرُ هِىَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِم مِنْ رِجَالِهِم، أوْ كُلَّ رِجَالِهِم (بِحَسْبِ الوَضْعِ).

وَيَعْنِى كَذَلِكَ أَنَّ النِّسَآءَ هُنَا لاَ يُقْصَدُ بِهِم الإِنَاثُ، كَمَا فِى بَقِيَّةِ الأَيَاتِ الَّتِى تَنَاوَلَت النِّسَآءَ كَإِنَاثٍ، كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ“،

لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ“،

وَٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ“،

وَٱلَّـٰٓـِٔى يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ“:

إذْ كَيْفَ سَيَكُونُ لِلنِّسَآءِ (المُؤْمِنَاتِ) نِسَآءٌ، بِمَعْنَى أنْ يَكُونَ للمَرْأَةِ (المُؤْمِنَةِ) إمْرَأَةً مِنَ الإِنَاثِ (نِسَآءٌ)؟!!

.

التَّدَبُّرُ الخَامِسُ:

وَهُوَ مَا جَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ نِسَآءَ النَّبِىِّ، وَيَنُصُّ عَلَى عَدَمِ التَّعَامُلِ مَعَهُنَّ إِلاَّ مِنْ وَرَآءِ حِجَابٍ، فَاسَثْنَى سُبْحَانَهُ مَنْ اسْتَثْنَى، وَمِنْهُم نِسَآءَ نِسَآءِ النَّبِىِّ:

لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِىٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخْوَ‌ٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ إِخْوَ‌ٰنِهِنَّ وَلَآ أَبْنَآءِ أَخَوَ‌ٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ ۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدًا ﴿٥٥﴾الأَحْزَاب.

هُنَا؛ سَيَنْصَرِفُ المَعْنَى ضَرُورَةً لِلنِّسَآءِ، بِمَعْنَى المُلْتَصِقِيِنَ لِتَبَعِيَّتِهِم، أَيًّا كَانَت دَرَجَةُ قَرَابَتِهِم، وَعَجْزِهِم، وَتَأَخُّرِهِم، وَبِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ جِنْسِهِم، ذُكُورُا كَانُوا أمْ إنَاثًا؛ وَعَنْ أعْمَارِهِم؛ صِغَارًا كَانُوا أمْ كِبَارًا، حَيْثُ تُمَثِّلُ المَرْأةُ المُؤْمِنَةُ لَهُم؛ رَجُلَهُم، الَّذِى يَسْعَى عَلَيْهِم، وَيُؤَمِّنُ لَهُم نَفَقَاتِهِم، وَحَيَاتَهُم المَعِيِشِيَّةِ.

.

إذًا ـ وَلِكُلِّ مَا سَبَقَ ـ فَلَفْظُ “النِّسَآءِ” لاَ عِلاَقَةَ لَهُ بِالجِنْسِ (عَكْسُ لَفْظِ الإنَاثِ) (1)، وَإنَّمَا يُشِيِرُ لَفْظُ “النِّسَآء” إلَى حَالٍ يَلْحَقُ بِالإنْسَانِ فَيَصِيِرُ بِهِ هَكَذَا؛ مُثْقَلاً، مُتَأَخِّرًا.

وَيُقَابِلُ لَفْظَ النِّسَآءِ لَفْظُ: “الرِّجَال“، الَّذِى عَرِفْنَا أنَّهُ يُشِيِرُ إلَى حَالٍ يَلْحَقُ بِالإنْسَانِ فَيَصِيِرُ بِهِ هَكَذَا؛ مُتَقَدِّمًا، خَفِيِفًا فِى حَرَكَتِهِ، قَادِرًا (2)، وَإنْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهِمَا عِلاَقَةٌ غَيْرُ مُبَاشِرَةٍ بَالجِنْسِ مِنْ حَيْثُ غَلَبِةِ الصِّفَةِ عَلَيْهِمَا:

فَالإِنَاثُ يَغْلُبُ عَلَيْهِنَّ النَّسْءُ، وَالتَّأخِيِرُ وَالإثْقَالُ، وَثِقَلُ الحَرَكَةِ، وَثِقَلُ القُدْرَةِ، مَا يُقَلِّلُ مِنْ حِيلَتِهِنَّ، وَيُضْعِفُهُنَّ، وَيَجْعَلُهُنَّ مِنَ المُتَأخِّرَاتِ لُزُومًا، وَلِذَا فَإنَّ أغْلَبَهُنَّ مِنَ النِّسَآءِ. بَيْنَمَا يَغْلُبُ عَلَي الذَّكَرِ؛ التَقَدُّمُ، وَالخِفَّةُ، وَالقُوَّةُ، وَالقُدْرَةُ عَلَى الحَرَكَةِ، مَا يَجْعَلُهُ مِنَ المُتَقَدِّمِينَ؛ وَلِذَا فَإنَّ أغْلَبَ الذُّكُورِ مِنَ الرِّجَالِ؛ وَذَاكَ لِطَبِيعَةِ خِلْقَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا. فَالمَرْأةُ أضْعَفُ بِنْيَةً، مَا يَجْعَلُ الذَّكَرَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا فِى طَلَبِ الرِّزْقِ المُعْتَمِدِ عَلَى البِنْيَةِ، فَضْلاً عَنْ أنَّهَا تَحِيِضُ، وَتَضْعُفُ إبَانَ ذَلِكَ فِيِمَا يَقْرُبُ مِنْ رُبْعِ أوْ خُمْسِ حَيَاتِهَا الإنْجَابِيَّةِ، فَضْلاً عَنْ فَتَرَاتِ حَمْلِهَا، وَإرْضَاعِهَا أوْلاَدِهَا، وَفَضْلاً عَنْ سِنَى رِعَايَتِهَا لَهُم، وَقِيَامِهَا عَلَى خَدْمَتِهِم، مَا يُلْزِمُهَا بَيْتَهَا فِى مُعْظَمِ أوْقَاتِهَا، وَيَجْعَلُ مُعْظَمَهُنَّ مِنَ النِّسَآءِ، وَذَلِكَ بِعَكْسِ الذَّكَرِ الَّذِى يَتَحَرَّكُ، وَيَتَقَدَّمُ فَيَرْجَلُ، وَيَضْرِبُ فَى الأَرْضِ، يَبْتَغِى مِنْ فَضْلِ اللهِ وَرِزْقِهِ، مَا يَجْعَلُهُ مِنَ الرِّجَالِ عَلَى الأَغْلَبِ أيْضًا.

كَذَلِكَ؛ فَالإنَاثُ وَإنْ غَلَبَ عَلَيْهِنَّ أنَّهُنَّ مِنَ النِّسَآءِ، إلاَّ أنَّهُنَّ لَسْنَ كُلَّهُنَّ نِسَآءً، وَلَسْنَ كُلَّ النِّسَآءِ (3)، وَإنَّمَا يَلْحَقُ بِهِنَّ أصْنَافٌ أُخْرَى مِنَ النِّسَآءِ، كَالأَيْتَامِ، والسُّفَهَآءِ، وَالمُعَاقِيِنَ، والمَرْضَى مَرَضًا مُقْعِدًا، وَلَوْ عَلَى سَبِيِلِ التَأقِيِتِ، كَمَا أنَّ الذُّكُورَ وَإنْ غَلَبَ عَلَيْهِم أنَّهُم مِنَ الرِّجَالِ، إلاَّ أنَّهُم لَيْسُوا كُلَّ الرِّجَالِ (4)، إذْ يَلْحَقُ بِهِم (كَرِجَالٍ) بَعْضُ الإنَاثِ.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ وَلَفْظُ الرِّجَالِ لاَ عِلاَقَةَ لَهُ أيْضًا بِالجِنْسِ (عَكْسُ لَفْظِ الذُّكُور).

2 ـ وَلاَ يَتَطَابَقُ لَفْظُ “الرِّجَال” فِى المَعْنَى أيْضًا مَع لَفْظِ “الذُّكُورِ”.

3 ـ إذْ إنَّ هُنَاكَ مِنَ الذُّكُورِ مَنْ هُوَ لِظُرُوفِهِ مِنَ النِّسَآءِ.

4 ـ إذْ إنَّ هُنَاكَ مِنَ الإنَاثِ مَنْ هُنَّ لِظُرُوفِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ.

تَحَرَّرَ فِى صَبَاحِ يَوْمِ الجُمُعَةِ 22/5/2015 سعة 7.17 ص

التَّعْلِيَقَاتُ مَفْتُوحَةٌ فِى المَقَالِ الأَخِيِر بَعْد اكْتِمَالِ المَوْضُوعِ

المَقَالُ السَّابِقُ

المَقَالُ التَّالِى