التَّرَفُ وَالمُتْرَفُون 1


 

 

التَّرَفُ مِنَ الـ: “تَ رْ ف”.

تَرَفَ/ مُتْرَفِيِهَا/ مُتْرَفُوهَا/ مُتْرَفِيِهِم/ مُتْرَفِيِن/ أُتْرِفُوا/ أُتْرِفْتُم/ وَأَتْرَفْنَاهُم/

.

 

وَقَدْ جَآءَ لَفْظُ التَّرَفِ بِكِتَابِ اللهِ بِمُشْتَقَّاتِهِ ثَمَانِيَةُ مَرَّاتٍ، كُلُّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ فِئَةٍ مِنَ النَّاسِ لَهَا صِفَاتٌ وَاحِدَةٌ، تَتَكَامَلُ لِتُنْتِجَ شَخْصَ المُتْرَفِ. وَطِبْقًا لِكَوْنِ الإنْسَان قَدْ اخْتَارَ أَنْ يَحَمْلَ الأَمَانَةَ، وَفِى ظِلِّ نَفْخِ الرُوحِ فِيِهِ، وَكَذَلِكَ إرْسَالِ الرِسَالاَتِ إلَيْهِ، فَقَدْ كَانَ مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ يَكُونَ هَذَا الإنْسَانُ لِرَبِّهِ شَكُورًا، وَأنْ يَعْتَرِفَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى رَأسِهَا نِعْمَةُ الدِينِ وَالرِسَالَةِ. ألاَّ أنَّ الزَّمَنَ أثْبَتَ عَكْسَ ذَلِكَ، مُبَرْهِنًا عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ كَفُورٌ. وَمِنْ هُنَا وُجِدَ المُتْرَفُونَ.

.

وَالتَرَفُ بِخِلاَفِ الغِنَىَ، فَكَم مِن أغْنِيَآءٍ قالَ اللهُ تَعَالَى فِيِهِم:

ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَ‌ٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَآ أَنفَقُوا مَنًّا وَلَآ أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٢٦٢﴾البَقَرَة.

وَإنَّمَا التَرَفُ هُوَ مَرَضٌ سُلُوكِىٌّ، يَنْمُو، وَيُصِيبُ الكَثِيريِنَ مِن أفْرَادِ المُجْتَمَعِ، مِمَّنْ يَجْمَعُهُم الاسْتِعْدَادُ لِلانْحِرَافِ السُلُوكِىّ، وَيَمِيلُونَ إلَى الرَاحَةِ (1)، وَالدَعةِ، وَعَدَمِ الالْتِزَامِ بِأىِّ دَعْوَةٍ تُقَيِّدُ انْحِرَافَهُم، فَيَشِيعُ الفَسَادُ عَلَى أيْدِيهِم، بَعْدَ أنْ مَلأَ الطَمَعُ قُلُوبَهُم، وَيَسْتَشْرِى الظُلْمُ، وَالعُدْوَانُ، بَعْدَ أنْ هَجَرُوا أحْكَامَ اللهِ لَهُم، وَارتَضَوْا أنْ يَسِيرُوا عَلى مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفَهُم، وَءَابَائَهُم.

.

 

هَذَا التَرَفُ يَتَسَلَّلُ إلَى جَمِيعِ مَنَاحِى الحَيَاةِ عِنْدَ المُتْرَفِين، وَمِنْ ثَمَّ فَسَيَنْشَأُ عِنْدَهُم دِينُ التَرَفِ البَدِيلِ لِدِينِ اللهِ، وَثَقَافَةُ التَرَفِ، وَاقْتِصَادُ التَرَفِ، وَسِيَاسَاتُ التَرَفِ، وَدُسْتُورُ التَرَفِ، وَقَوَانِينُ التَرَفِ، وَعُلُومِ التَرَفِ، وَجُيُوشُ التَرَفِ، وَتِجَارَةُ التَرَفِ، وَفُنُونُ التَرَفِ، وَفَلْسَفَةُ التَرَفِ، وَمَنْطِقُ التَرَفِ، . . الخ. وَهَكَذَا، لَنْ يُغَادِرَ التَرَفُ أىّ مَنْحْى مِن مَنَاحِى الحَيَاةِ عِنْدَهُم إلاَّ وَسَيَكُونُ قَابِعًا فِيِهِ، وَمُخْتَلِطًا بِهِ، بَل وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ.

أيْضًا فَإِنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنْ أوْجُهٍ قَدْ نَمَا وَتَرَعْرَعَ فِى ظِلِّ التَرَفِ لِيَكُونَ إحْدَى دَعَائِمِهِ، وَلِكَىّ يُشَكِّلَ المُتْرَفُ دَائِرَةً مُغْلَقَةً خَاصَّةً بِهِ، وَيَسْتَقِلَّ بِذَاتِهِ، وَيَسْتَغْنىَ عَنْ كُلِّ مَا سُواهُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنَ اللهِ؛ فَهُوَ قَدْ استَغْنَى عَنِ الجَمِيعِ حَتَّى ظَنَّ أنَّه اسْتَغْنَى عَنِ اللهِ أيْضًا.

وَهَؤُلاَءِ المُتْرَفُونَ مُلْتَصِقُونَ بِالأَرْضِ، وَمُنْقَطِعُونَ عَنِ السَمَاءِ، بَعْدَ أنْ امْتَلأوا بِالأنْسَنَةِ، وَفَرَغُوا مِنَ الرُقِىّ، وَغَرَّتْهُمُ الحَيَوَاةُ الدُنْيَا، وَغَرَّهُم بِاللهِ الغَرُورِ، وَلِذَا نَجِدُ أنَّ كُلَّ الاتِجَاهَاتِ المُنْحَرِفَةِ تَجْتَمِعُ فِى المُتْرَفِين عَلَى اخْتِلاَفِ اتجَاهَاتِهِم، وَتَبَايُنِ انْتِمَائَتِهِم؛ فَالطَاغُوتُ مُتْرَفٌ، وَالمُنَافِقُ مُتْرَفٌ، وَالكَافِرُ مُتْرَفٌ، وَالمُلْحِدُ مَتْرَفٌ، والمُشْرِكُ مُتْرَفٌ، وَهَاجِرُ كِتَابِ اللهِ لأَقْوَالِ الأَبَآءِ مُتْرَفٌ، وَالفَاسِقُ مُتْرَفٌ، وَالمُسْتَغْنٍ عَنِ اللهِ مُتْرَفٌ، . . وَهَكَذَا دَوَالِيك.

وَكَوْنُ المُتْرَفِينَ عَلَى الحَالِ السَّابِقِ لاَ يَعْنِى أنَّهُم شَيْئًا وَاحِدًا، أوْ أنَّهُم يَجْتَمِعُونَ تَحْتَ مَذْهَبٍ فِكْرِىٍّ وَاحِدٍ، أوْ أنَّهُم يُقَاتِلُونَ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ، الخ. بَلْ إِنَّ المُتْرَفَ قَدْ يُقَاتِلُ مُتْرَفًا مِثْلَهُ لاِخْتِلاَفِ المَشَارِبِ والانْتِمَاءَاتِ، أوْ لِتَضَادِّ المَصَالِحِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا يَدْعُونَا لِتَنَاولِ صِفَاتَ المُتْرَفِينَ كَمَا جَآءت بِكِتَابِ اللهِ، . . . النُور الأَتِى مِنْهُ سُبْحَانَهُ:

يَتْبَع .

هَامِش:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ وَالمَكْسَبُ السَهْلُ، وَلَوْ بِفَرْضِ القُوَّةِ، وَمِن دِمَاءِ الأَخَرِينَ.

.

تَحَرَّرَ فِى صَبَاحِ يَوْمِ الجُمُعَة 14/11/2014 سعة 2.06 ص

التَّعْلِيَقَاتُ مَفْتُوحَةٌ فِى المَقَالِ الأَخِيِر بَعْد اكْتِمَالِ المَوْضُوعِ

المَقَالُ السَّابِقُ: لاَيُوجَد

المَقَالُ التَّالِى