◄ اعْلَم أنَّهُ لاَ إسْلاَمَ بِغَيْرِ إِيِمَانٍ، وَكِتَابٍ، وَلاَ اسْتِمْرَارِيَّةَ لإِيِمَانٍ إلاَّ بِإِسْلاَمٍ، إِذْ يَنْتَظِمُ الأَوَّلُ الفِكْرَ، وَالأَخَرُ العَمَلَ. فَإنْ لَمْ يَسْتَتْبِعُ الإِيِمَانَ إِسْلاَمٌ؛ فَنُكُوصٌ، وَكُفْرٌ، وَانْتِفَآءُ إيِمَانٍ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
وَالدِّيِنُ هُوَ نِظَامُ الحَرَكَةِ، وَالإِسْلاَمُ هُوَ التَسْلِيِمُ وَالانْقِيَادُ لِهَذَا النِّظَامِ عَنِ اقْتِنَاعٍ مُسْبَقٍ (إيِمَان)، وَطَالَمَا نَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَنْ كِتَابِ اللهِ المُنَظِّمِ لِحَرَكَةِ المُؤْمِنِيِنَ بِهِ، وَدِرَاسَتِهِ، فَسَيَكُونُ الكَلاَمُ هُنَا عَن الإِسْلاَمِ لِرَبِّ العَالَمِيِنَ، وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللهِ هُوَ جُزْءٌ أسَاسِىٌّ وَابْتِدَائِىٌّ مِنَ الإِسْلاَمِ للهِ تَعَالَى، إِذْ أمَرَ اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِى كِتَابِهِ العَزِيِزِ؛ فَقَالَ (مَثَلاً):
“كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوٓا ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا ٱلْأَلْبَـٰبِ ﴿٢٩﴾” ص.
“أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴿٢٤﴾” مُحَمَّد.
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ البَاحِثَ الدَّارِسَ لِكِتَابِ رَبِّهِ لاَبُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ التَزَمَ بِدَايَةً بِالبَحْثِ وَالدِّرَاسَةِ بُنَاءًا عَلَى اسْتِقْرَآءِ كِتَابِ رَبِّهِ، وَعَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ـ اسْتِكْمَالاً لإِسْلاَمِهِ ـ أنْ يُطَوِّعَ نَفْسَهُ للاِلتِزَامِ بِمَا تَتَمَخَّضُ عَنْهُ هَذِهِ الدِّرَاسَةُ مِنْ نَتَائِجٍ تُشَكِّلُ فِى مُجْمَلِهَا جُزْئِيَّاتُ دِيِنِهِ، وَهُوَ مَا يُمَثِّلُ لُبَّ الإِسْلاَمِ وَجَوْهَرِهِ. أيْضًا فَإِنَّ إسْلاَمَ الدَّارِسِ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ؛ لِكَوْنِهِ الضَّمَانَةُ لِسَلاَمَةِ العَمَلَيَّةِ بِأَكْمَلِهَا، وَإتْمَامِهَا عَلَى الوَجْهِ المَطْلُوبِ؛ إِذْ أَنَّ كِتَابَ اللهِ ـ فِى مُجْمَلِهِ ـ هُوَ دَعْوَةٌ لِلتَّرَقِّى السُّلُوكِىِّ، مِنْ خِلاَلِ أوَامِرِ اللهِ، وَمِنْ خِلاَلِ المُرَاقَبَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهُوَ مَا يَسْتَتْبِعُ كُلَّ مَا سَيَلِى مِنْ صِفَاتٍ لاَزِمَةٍ لِلبَاحِثِ، كَالحَمْدِ، وَالشُّكْرِ، وَالصِدْقِ، وَالأَمَانَةِ، وَالصَبْرِ، وَالمُثَابَرَةِ، . . الخ.
وَلِذَا فَإِنََّ الإِسْلاَمَ هُوَ نِظَامُ حَرَكَةٍ دِيِنَامِيِكِىٌّ، مٌسْتَمِّرٌ، دَائِمٌ، يَبْدَأُ، وَلاَ يَنْتَهِى، وَيَتَصَحَّحُ دَوْمًا بِالحَنْفِ، وَالتَّوْبَةِ، إِلاَّ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ.
وَبِالتَّالِى فَلاَبُدَّ لِلدَّارِسِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأ (وَأَثْنَآءَ وَبَعْدَ) الدِّرَاسَةَ لِكِتَابِ رَبِّهِ، أَنْ يَكُونَ مِنَ المُسْلِمِيِنَ للهِ تَعَالَى، الَّذِيِنَ ألزَمُوا النَّفْسِ بِالحَقِّ، وَجَعَلُوهَا خَاضِعَةً لَهُ.