منظومة ﭐلتواصل ﭐلمعرفى طريق لجهنم (3)

ثَانِيًا: نَقۡدُ أَسَاسِيَّــٰتِ ﭐلمَنۡظُومَةِ: 1 – ﭐلُّغَة:

يَقُولُ ﭐلمَنۡظُومِىُّ عَنِ ﭐلُّغَةِ وَمَوۡقِعِهَا مِنۡ مَنۡظُومَتِهِ، وَكُفۡرُ كُلِّ مَنۡ لَا يَأخُذُ بِهَا فِى فَهۡمِهِ لِلقُرۡءَانِ:

“إن كل من يفهم القرآن أو يستنبط حكما من أحكامه دون علم بقواعد اللغة العربية وعلومها، وبعلم السياق، وبمنظومة التواصل المعرفى كافر بالله وبالقرآن لأن القرآن لا يحمل إلا الكلمات فقط فكيف نفهمها بمعزل عن مسمياتها الموجود خارج القرآن إلا بفيروس الهوس الدينى، والإلحاد فى الأيات وفى استنباط أحكامها”.

وَيَقُولُ ﭐلمَنۡظُومِىُّ عَنِ ﭐلأَيَةِ 3 مِنۡ سُورَةِ ﭐلمَآىِٕدَةِ:

“حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا۟ بِٱلْأَزْلَـٰمِ ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ۚ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَـٰمَ دِينًۭا ۚ فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍۢ لِّإِثْمٍۢ ۙ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ﴿٣﴾”.

“إن هذه الآية من مئات الآيات التي تحكم بالكفر بالله وبالقرآن على كل من يفهم القرآن أو يستنبط حكما من أحكامه دون علم بقواعد اللغة العربية وعلومها وبعلم السياق ومنظومة التواصل المعرفي”.

وَيَقُولُ ﭐلمَنۡظُومِىُّ عَنۡ مَنۡظُومَتِهِ:

أعني بمنظومة التواصل المعرفي تلك المعارف التي تواصلت حلقاتها بين الشعوب والقبائل [أي الموروث المعرفي] من لدن آدم عليه السلام، والتي ينمو قاموس كلماتها مع اتساع حركة الحضارات وتطورها حاملةً معها مدلولات الكلمات والمعتقدات والقيم، والعادات، والمهارات المهنية المختلفة، وكيفية الأداء العملي للعبادات … مكونةً بذلك شخصية الإنسان الدينية والمعرفية. وتنقسم معارف هذه المنظومة إلى: معارف عالمية: وهي المعارف المتفق على مدلول كلماتها بين شعوب العالم ومنها الكلمات: أبيض ـ ساخن ـ حزين ـ تفاحة ـ كرسي ـ سحاب ـ شجرة ـ بحر ـ كلب ـ خنزير … الخ. وكذلك الأفعال: يأكل ـ يمشي ـ يضرب ـ يذبح ـ يرمي ـ يقوم ـ يركع ـ يسجد . . . الخ.

ومعارف أممية: وهي المعارف المتفق عليها بين أفراد الأمة الواحدة، مثل: اللغة ـ كيفية أداء العبادات ـ العادات والتقاليد ـ المهارات الفنية التي تتميز بها كل أمة. أما إذا أجمع أفراد فرقة من فرق الأمة الواحدة، أو أصحاب مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، على شيء، فإن هذا الإجماع [الذي لا يشكل في حقيقته منظومة أممية] هو ما يسميه أتباع الفرق والمذاهب المختلفة بـ “التواتر” اللفظي أو العملي، والذي أسميه بـ “التواتر المذهبي”.

وإذا نظرنا إلى اللغة العربية، كأداة من أدوات فهم هذا القرآن، وجدناها مصدراً معرفياً سبق نزول هذا القرآن [وذلك قبل أن تتشربه قلوب المسلمين لتصبح أداةً لفهمه] ولولاها ما استطاع المسلمون تعلم وفهم مدلولات كلماته. إذن فهناك حاجة إلى الاستعانة بمصدر معلوماتي خارجي [وهو ما سميته بمنظومة التواصل المعرفي] كأداة من أدوات فهم آيات هذا القرآن الحكيم. بل إن هناك آيات كثيرة يستحيل فهمها أو العمل بها إلا إذا رجعنا إلى هذا المصدر المعرفي الخارجي. لذلك فإن دعوى فهم القرآن بالاستعانة بآياته فقط دون الاستعانة بأدوات فهم مستقلة عنه دعوى غير صحيحة لأننا لو عزلنا القرآن عن هذه الأدوات ما كان قرآناً وعلى رأسها اللسان العربي المبين الذي يتعلمه المرء أولاً من خارج القرآن ثم يقبل على القرآن ليفهمه”.

وَﭐلأَن؛ إِلَىٰ ﭐلنَّقۡدِ وَﭐلبَيَانِ:

1 ـ قَوَاعِدُ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ.

ﭐلُّغَةُ مِنَ ﭐلَّغۡوِ، وَهِىَ مِنَ ﭐلأَصۡلِ “لَ غۡ و”، وَهُوَ ﭐلمُنۡحِرِفُ مِنَ ﭐلكَلَـٰمِ، وَلِذَا لَا نَجِدُ أَنَّ ﭐللهَ تَعَـٰلَىٰ يَذۡكُرُ ﭐلُّغَةَ فِى كِتَـٰبِهِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا يَذۡكُرُ ﭐلِّسَانَ كَتَعۡبِيِرٍ عَنۡ مَا يَنۡطِقُهُ ﭐلنَّاسُ مِنۡ كَلَـٰمٍ:

“وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ..﴿٤﴾” إِبۡرَٰهِيِم.

“فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿٥٨﴾” ﭐلدُّخَان.

وَقَدۡ ﭐعۡتَرَفَ أَىِٕمَةُ ﭐلُّغَةِ بِذَٰلِكَ:

فَيَقُولُ ﭐلۡاَزۡهَرِىُّ فِى تَهۡذِيبِهِ (3/ 101):

لغا: قال الليث: اللغة واللغات واللغين: إختلاف الكلام في معنى واحدٍ. ويقال: لغا يلغوا لغواً، وهو إختلاط الكلام ولغا يلغا لغة“.

وَيَقُولُ ﭐلزَّمَخۡشَرِىُّ فِى أَسَاسِ بَلَاغَتِهِ(1/ 425):

ل غ و: لغا فلان يلغو، وتكلّم باللّغو واللّغا. وتقول: زاغ عن الصواب وصغا، وتكلّم بالرّفث واللّغا، ولغوت بكذا: لفظت به وتكلّمت. ..، ومنه: اللغة، وتقول: لغة العرب أفصح اللّغات، وبلاغتها أتمّ البلاغات. وهم يلغون في الحساب: يغلطون“.

وَيَقُولُ ﭐلزُّبَيۡدِى فِى تَاجِ عَرُوسِهِ (ص: 8583):

واللغة، اللسن وحدها أنها (أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ) وقال غيره هو الكلام المصطلح عليه بين كل قبيل وهى فعلة من لغوت أي تكلمت أصلها لغوة ككرة وقلة وثبة لاماتها كلها واوات وقال الجوهر أصلها لغى أو لغو والهاء عوض زاد أبو البقاء ومصدره اللغو”.

وَلَكِنَّ ﭐلمَنۡظُومِىُّ عَامِّىٌّ مَعَ ﭐلعَــٰـمِّيِّيِن، وَعَنۡ ءَايَـٰتِ ﭐلكِتَـٰبِ مِنَ ﭐلغَــٰـفِلِيِنَ، فَيَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ ﭐلعَوَامِّ، وَيَقُولُ: “ﭐلُّغَةَ”، بَدَلًا مِنَ ﭐلِّسَانِ. وَمَا وَرَدَ ﭐلَّغۡوُ فِى ﭐلقُرۡءَانِ إِلَّا عَلَىٰ سَبِيِلِ ﭐلذَّمِّ؛ فَيَقُولُ ﭐللهُ سُبۡحَـٰنَهُ:

“قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿١﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلَاتِهِمْ خَـٰشِعُونَ ﴿٢﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿٣﴾” ٱلْمُؤْمِنُون.

“وَٱلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ ٱلزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِٱللَّغْوِ مَرُّوا۟ كِرَامًۭا ﴿٧٢﴾”.

“وَإِذَا سَمِعُوا۟ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُوا۟ عَنْهُ وَقَالُوا۟ لَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ ﴿٥٥﴾”.

فَالَّغۡوُ هُوَ ﭐلسَّاقِطُ مِنَ ﭐلكَلَـٰمِ، وَلِذَا يَتَرَفَّعُ عَنۡهُ ﭐلمُؤۡمِنُونَ، طَاعَةً، وَﭐسۡتِقَامَةً، وَلَكِنَّ ﭐلمَنۡظُومِىُّ ﭐخۡتَارَ أَنۡ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانِ ﭐلعَوَامِّ، بَعِيِدًا مِنَ ﭐلقُرۡءَانِ، وَشَاهِدًا عَلَىٰ نَفۡسِهِ بِبَيَانِ حَالِهِ، وَلِذَا سَنُخَاطِبَهُ هُنَا بِمَا يَعۡرِفَهُ مِنَ تَسۡمِيَةِ ﭐلِّسَانِ بِالُّغَةِ، مُتَنَاسِيِنَ مَا تَعَلَّمۡنَاهُ مِنۡ كِتَـٰبِ ﭐللهِ، حَتَّىَ يَفۡهَمُ مَاَ نَقُولُ.

وَقَبۡلَ أَنۡ نَتَكَلَّمَ عَنِ لُغَةِ ﭐلمَنۡظُومِىِّ (ﭐلِّسَان) فَيَحۡسُنَ أَنۡ نَعۡرِفَ عَنِ ﭐلُّغَةِ ﭐلأَتِى:

أَنَّهُ وَقۡتَ نُزُولِ ﭐلكِتَـٰبِ عَلَىٰ ﭐلرَّسُولِ لَمۡ يَكُنۡ هُنَاكَ شَىۡءٌ ﭐسۡمُهُ ﭐلُّغَةَ ﭐلعَرَبِيَّةَ، لِانۡتِفَآءِ وُجُودِ بَلَدٍ ﭐسۡمُهُ ﭐلعَرَبُ، وَلَا قَوۡمٍ ﭐسۡمُهُم ﭐلعَرَبُ، وَإِنَّمَا كَانَ هُنَاكَ ﭐلشَّامِيُّونَ، وَﭐلحِجَازِّيُّونَ، وَﭐلۡقُرَيۡشِيُّونَ، وَﭐلمِصۡرِيُّونَ، وَهَكَذَا، وَلِكُلٍّ لِسَانَهُ ﭐلَّذِى تَغَيَّرَ بَعۡضُهُ فِيِمَا بَعۡدُ.

أَنَّ ﭐلُّغَةَ ﭐلعَرَبِيَّةَ (عِنۡدَ أَهۡلِهَا) لَهَا تَارِيِخٌ قَصَصِىٌّ كَسَآئِرِ ﭐلُّغَاتِ، وَلِذَا فَهِىَ وَاحِدَةٌ مِنَ ﭐلِّغَاتِ ﭐلمُسَمَّــٰةِ بِالسَّامِيَّةِ، وَيُقَالُ أَنَّهَا نَضَجَت بَعۡدَ تَنَقُّلٍ فِى ﭐلحِجَازِ، وَبَعۡدَ مُرُورٍ عَلَىٰ عَادٍ، وَثَمُودٍ، وَجِدِّيِس، وَجُرۡهُم، وَﭐليَمَن، وَلَمۡ يَكُن لَهَا فِى كُلِّ هَذِهِ ﭐلأَوۡقَاتِ شَيۡئًا ﭐسۡمُهُ “قَوَاعِدُ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ”!!

وَأَنَّ ﭐلُّغَةَ كَانَت تَتَغَيَّرُ بِالغَزۡوِ أَحۡيَانًا، كَمَا حَدَثَ لِلُّغَةِ ﭐلمِصۡرِيَّةِ، وَﭐلعِرَاقِيَّةِ، وَغَيۡرِهِمَا.

وَأَنَّ ﭐلِّسَانَ ﭐلعَرَبِىَّ ﭐلوَحِيِدَ هُوَ لِسَانُ ﭐلقُرۡءَانِ، وَمَا عَدَاهُ مِنۡ أَلۡسِنَةٍ هِىَ أَلۡسِنَةٌ أَعۡجَمِيَّةٌ، لَا يَسۡتَخۡدِمُ أَهۡلُهَا مُفۡرَدَاتِ لِسَانِهُم بِإِحۡكَامٍ مُطۡرَدٍ، وَإِنَّمَا يَخۡلِطُونَ بَيۡنَ بِنۡيَةِ ﭐلكَلِمَـٰتِ، وَيَفۡهَمُونَ بَعۡضَهُمُ ﭐلبَعۡض عَلَىٰ حَرۡفٍ، وَبِفَهۡمٍ مُرۡتَبِطٍ بِوَقۡتِهِ.

وَأَنَّ لِسَانَ ﭐلقُرۡءَانَ عَرَبِىٌّ بِمَعۡنَى أَنَّهُ يُوَضِّحُ وَيُعۡرِبُ بِإِحۡكَامٍ لَا يَتَغَيَّرُ بِمُرُورِ ﭐلزَّمَانِ، وَهَذَا لَا يَكُونَ إِلَّا لَهُ وَحۡدَهُ.

وَأَنَّ ﭐلُّغَةَ ﭐلعَرَبِيَّةَ ﭐلَّتِى يُطَنۡطِنُ بِهَا ﭐلمَنۡظُومِىُّ؛ فِيِهَا أَطۡنَانٌ مِنَ ﭐلكَلَـٰمِ ﭐلَّذِى لَا يُقَدِّمُ وَلَا يُؤَخِّرُ، وأَطۡنَانٌ مِنَ ﭐلتَّشَوُّشِ ﭐلمَعۡنَوِىِّ لِلكَلَــٰم بِحَسَبِ ﭐسۡتِخۡدَامَاتِ ﭐلعَصۡرِ لَهُ.

وَأَنَّ أَىَّ مُسۡلِمٍ يَتَكَلَّمَ بِكَلَـٰمِ ﭐلقُرۡءَانِ، وَيَرُومَ ﭐلعِلۡمَ بِكَلَـٰمِ ﭐللهِ فَسَيَصِلُ إِلَىٰ ذَٰلِكَ بِتَدَبُّرِهِ لِكَلَـٰمِ ﭐللهِ دُونَ هَرۡطَقَةِ ﭐلمَنۡظُومِىِّ، وَلَكِنَّنَا نُنَاقِشُ كَلَـٰمَهُ كَىۡ يَعۡلَمَ ﭐلنَّاسُ هَشَاشَةَ مَنۡظُومَتِهِ، وَﭐنۡحِرَافِهَا عَنِ ﭐلصِّرَاطِ ﭐلسَّوِىِّ.

وَأَنَّ قَوَاعِدَ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ ﭐلَّتِى طَنۡطَنَ بِهَا ﭐلمَنۡظُومِىُّ لَمۡ تَكُنۡ مَوۡجُودَةً وَقۡتَ نُزُولِ ﭐلكِتَـٰبِ، وَلَا بَعۡدَهُ بِعَشَرَاتِ ﭐلسِّنِيِنَ، حَتَّىٰ جَآءَ رَجُلٌ ﭐسۡمُهُ ظَالِمٌ بِنِ عَمۡرُو بِنِ سُفۡيِانِ بِنِ جَنۡدَلٍ مِنَ ﭐلبَصَرَةِ (عَلَىٰ ﭐخۡتِلَافٍ عَلَيۡهِ)، وَبَعۡدَ ﭐلرِّسَالَةِ بِسَنَوَاتٍ طِوَالٍ، فَوَضَعَ بِدَايَاتِ مَا يُسَمَّىٰ بِقَوَاعِدِ ﭐلنَّحۡوِ.

وَجَآءَ ءَاخَرٌ ﭐسۡمُهُ مُعَاذُ ﭐلهَرَّآءُ، فَوَضَعَ بِدَايَاتِ مَا يُسَمَّىٰ بِقَوَاعِدِ ﭐلصَّرۡفِ.

فَهَلۡ يُمۡكِنُ لِعَاقِلٍ أَنۡ يُسَلِّمَ لِلمَنۡظُومِىِّ بِهُرَآءِهِ عَنۡ تَكۡفِيِرِ مَنۡ نَظَرَ فِى ﭐلكِتَـٰبِ بِغَيۡرِ عِلۡمٍ بِقَوَاعِدِ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ، أَوۡ بَقَوَاعِدِ ﭐلصَّرۡفِ؟!

وَهَل كَفَرَ ﭐلَّذِيِنَ كَانُوا يَتَدَبَّرُونَ ﭐلقُرۡءَانَ قَبۡلَ مَا صَنَعَهُ ظَالِمٌ، وَمُعَاذٌ؟!

وَاضِحٌ سَخَافَةُ طَرۡحِ ﭐلمَنۡظُومِىِّ، وَضِيِقِ فِكۡرِهِ، وَمَدَىٰ جَهۡلِهِ.

وَأَنَّ قَوَاعِدَ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ ﭐلَّتِى طَنۡطَنَ بِهَا ﭐلمَنۡظُومِىُّ، لَيۡسَت كَقَوَاعِدِ ﭐلعُلُومِ قَاطِبَةً، وَإِنَّمَا هِىَ مَدَارِسٌ مُخۡتَلِفَةٌ، مَذۡهِبِيَّةٌ، تَخۡتَلِفُ بِحَسَبِ جُغۡرَافِيَّتِهَا.

فَالنَّحۡوُ -كَمِثَالٍ-؛ نَشَأ وَتَطَوَّرَ بَصَرِيًّا، عَلَىٰ يَدِّ ﭐبۡن أَبِى إِسۡحَـٰق ﭐلحَضۡرَمِى ﭐلمُتَوَفَّىٰ سَنَة 117 ق، وَعِيسَىٰ ابۡنِ عُمَرِ ﭐلثَّقَفِى ﭐلمُتَوَفَّىٰ سَنَة 149 قَمَرِيَّة، وَأَبُو عَمۡرُو بۡنِ ﭐلعَلَآءِ ﭐلمُتَوَفَّىٰ سَنَة 145 (ق)، وَيُونُس بۡن حَبِيب ﭐلمُتَوَفَّىٰ سَنَة 182 (ق)، وَﭐلخَلِيلُ بۡن أحۡمَدِ ﭐلفَرَاهِيدِى ﭐلمُتَوَفَّىٰ سَنَة  ) 17ق)، ثُمَّ سِيِبَوِيه.

ثُمَّ؛ وَبِمُرُورِ ﭐلزَّمَنِ تَمَدَّدَ فَصَارَ لَهُ شِقًّا كُوفِيًّا، ثُمَّ بَغۡدَادِيًّا، فَالمَدۡرَسَةُ ﭐلبَغۡدَادِيَّةُ قَامَت فِى أَوَّلِ ﭐلأَمۡرِ عَلَىٰ ﭐلِانۡتِخَابِ مِنۡ ءارَآءِ ﭐلمَدۡرَسَتَيۡنِ: ﭐلبَصَرِيَّةِ وَﭐلكُوفِيَّةِ؛ حَيۡثُ تَتَلۡمَذَ أَوَاىلَهُم عَلَىٰ ﭐلمُبَرّد وَثَعۡلَب، مَا جَعَلَ كُتَّابِ التَّرَاجِمِ وَﭐلطَّبَقَاتِ يُصَنِّفُونَهُم فِي ﭐلمَدۡرَسَتَيۡنِ، كَالزُّبَيۡدِيِّ فِي طَبَقَاتِهِ (بِعَكۡسِ ﭐبۡنِ ﭐلنَّدِيمِ فِي ﭐلفِهۡرِسۡت)، مُعۡتَمِدِيِنَ عَلَىٰ أَنَّ أَبُو عَلِيِّ ﭐلفَارِسِيِّ وَتِلۡمِيذِهِ ﭐبۡنُ جِنِّيِّ، يَذۡكُرَانِ كَثِيِرًا كَلِمَةَ أَصۡحَابِنَا، وَكَثِيرًا مَا يُطۡلِقُ ﭐبۡنِ جِنِّيِّ عَلَىٰ ﭐلكُوفِيِّين ﭐسۡمُ ﭐلبَغۡدَادِيِّين، وَكَأَنَّهُم مَدۡرَسَةً وَاحِدَةً.

ثُمَّ تَمَدَّدَ فَصَارَ أَنۡدَلُسِيًّا، وَمِصۡرِيًّا، وَصَارَ مَذَاهِبًا كَمَذَاهِبِ ﭐلعَقَآئِدِ، وَﭐلفِقۡهِ، حَتَّىٰ لَا تَكَادُ تَجِدُ مَسۡأَلَةً مِنۡ مَسَاىِٕلِ ﭐلنَّحۡوِ؛ إِلَّا وَتَقۡرَأُ فِى ﭐلكُتُبِ ﭐلنَّحَوِيَّةِ فِيِهَا -عَلَىٰ ﭐلأَقَلِّ- مَذۡهَبَان؛ بَصَرِيٌّ وَكُوفِىٌّ.

وَأَنَّ قَوَاعِدَ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ ﭐلَّتِى طَنۡطَنَ بِهَا ﭐلمَنۡظُومِىُّ لَا يَتِمُّ ﭐلتَّعَرُّضُ لَهَا عِنۡدَ ﭐلتَّدَبُّرِ، إِلَّا نَادِرًا، لِعَدَمِ ﭐلحَاجَةِ إِلَيۡهَا.

وَأَنَّ ﭐلمَنۡظُومِىَّ ﭐلَّذِى أَشۡبَعَنَا طَنۡطَنَةً عَنۡ قَوَاعِدَ ﭐلُّغَةِ ﭐلعَرَبِيَّةِ، لَا يَعۡلَمُ هُوَ عَنۡهَا شَيۡئًا، وَلَا يَأخُذُ بِهَا، طِبۡقًا لِمَا جَرَىٰ عَلَيۡهِ فِى كِتَـٰبَاتِهِ كَمَا سَنَرَىٰ.

وَأَنَّ هَذِهِ ﭐلقَوَاعِدَ ﭐلَّتِى طَنۡطَنَ بِهَا ﭐلمَنۡظُومِىُّ مِنۡهَا مَا كَانَت خَاصَّةً بِالنَّحۡوِ، وَكَانَ كُلُّ عَمَلِهَا أَنَّهَا تَقُومُ بِتَقۡسِيِمِ ﭐلكَلَـٰمِ إِلَىٰ اسۡمٍ، وَفِعۡلٍ، وَحَرۡفٍ، وَتَقۡسِيِمُ ﭐلاسۡمِ إِلَىٰ جَامِدٍ وَمُشۡتَقٍّ، وَتَقۡسِيِمُ ﭐلمُشۡتَقِّ إلَىٰ مَصۡدَرٍ، وَﭐسۡمِ فَاعِلٍ، وَﭐسۡمِ مَفۡعُولٍ، وَصِفَةٍ مُشَبهةٍ، وَﭐسۡمِ تَفۡضِيلٍ، وَﭐسۡمَا زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَﭐسۡمِ ءَالَةٍ، وَتَقۡسِيِمُ ﭐلفِعۡلِ إِلَىٰ فِعۡلٍ مَاضٍ، وَمُضَارَعٍ، وَأَمۡرٍ، وَتَقۡسِيِمُ ﭐلحَرۡفِ إِلَىٰ حُرُوفِ جَرٍّ وَعَطۡفٍ وَنَفۡيٍ وَشَرۡطٍ، ثُمَّ تُعۡطِى لِكُلٍّ مِنۡهَا حَرَكَتَهُ مِنَ ﭐلإِعۡرَابِ كَالنَّصۡبِ، وَﭐلجَرِّ، وَﭐلرَّفۡعِ، وَﭐلتَّسۡكِيِنِ بِحَسَبِ حَالِهِ. وَمِنۡهَا مَا كَانَت خَاصَّةً بِالصَّرۡفِ، مِنۡ صِيَغٍ، وَأَوۡزَانٍ، وَمَا يَطۡرَأُ عَلَىٰ ﭐلكَلِمَةِ إِذَا مَاﭐنۡتَظَمَتۡهَا ﭐلجُمۡلَةُ، مِنۡ تَصۡرِيِفٍ، وَإِعۡلَالٍ، وَإِدۡغَامٍ، وَإِبۡدَالٍ.

فَأىُّ عَاقِلٍ هَذَا ﭐلَّذِى يَقُولُ بِكُفۡرِ مَنۡ تَدَبَّرَ ﭐلقُرۡءَانَ وَهُوَ لَا يُحۡسِنُ هَذَا ﭐلنَّحۡوَ، إِلَّا أَنۡ يَكُونَ ظَالِمٌ لِنَفۡسِهِ وَغَيۡرِهِ، وَجَهُولًا لَا يَدۡرِى بِاَصۡلِ وَمَنۡشَئِ مَا يَدۡعُوا إِلَيۡهِ.

وَأَىُّ عَاقِلٍ هَذَا  ﭐلَّذِى يَقُولُ بِأَنَّ ﭐلجَهۡلَ بِهَذَا ﭐلتَّقۡسِيِمِ يَحُولُ دُونَ فَهۡمِ ءَايَاتِ ﭐلقُرۡءَانِ، أَوۡ ءَايَـٰتِ ﭐلكِتَـٰبِ فِى شَىءٍ، لَوۡلَا أَنَّهُ هُوَ ﭐلَّذِى لَا يَفۡهَمُ مِنَ ﭐلأَيَـٰتِ شَيۡئًا؟!

وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x